روناهي/ دير الزور ـ ينحدر “القرباط، أو الغجر”، من نسل جساس وعشائر الرياس، ويعود أصلهم إلى قبائل الزط التي هاجرت من الحدود الهندية الباكستانية، ويتكيّف القرباط دينياً مع المناطق التي يستقرون فيها، فيعتنقون الشيعة في العراق، والسنّة في سوريا وتركيا، والمسيحية في أوروبا، لغتهم هي الدومرية، وهي لغة هندية تُستخدم خارج الهند، ويُعزى اسم “القرباط” أو “الغرباتي” إلى ملابسهم الملونة التي تميزهم بمعنى “الغرباء”.
عانى القرباط تهميشا اجتماعيا، غذّته الحكايات والروايات الشعبية، ويُقدر عددهم بعشرة ملايين نسمة حول العالم، ينقسمون إلى مجموعتين رئيسيتين هما “الرومن والدومر”.
إرثهم الفني
وعلى الرغم من قلّتهم العددية، إلا أنهم يملكون إرثاً فنياً غنياً، ويُعرفون بتأثيرهم على ثقافات الشعوب وخيالها، ولهم حضورٌ بارزٌ في مجال الفنون، خاصةً الموسيقا والأغاني، التي تُعد وسيلةً لحفظ تراثهم الشفهي، نظرًا لعدم وجود لغة مكتوبة خاصة بهم.
وفي سوريا، يتوزع القرباط في حلب وحماة ودمشق، وقد عانوا من التهميش، خاصةً بعد عام 2000، مع تلاشي أخبارهم ودورهم، وتفاقمت معاناتهم مع اندلاع الحرب، مما أدى إلى تشتتهم وتلاشي وجودهم بشكلٍ ملحوظ.
مهن القرباط
وفي السياق؛ تحدث أحد أبناء القرباط “كريم الأحمد” لصحيفتنا “روناهي”، عن المهن التي يمتهنها القرباط وأنماط أزيائهم التي يقوم بها الغجر (القرباط): “كان الغجر يمتهنون التقاط الطعام والصيد إضافة إلى خبرتهم في الحيوانات والطب البديل”.
وتابع: “سابقاً كان تمييز الغجر سهلاً بسبب أنماط لبسهم الغريبة، ولغتهم الخاصة، فقد كانت النساء يلبسن الملابس الفضفاضة المزركشة، ويتخذن زينة من الحلي المختلفة بشكل كثيف ولافت، ويضعن على آذانهن حلقات كبيرة من الفضة تنعكس عليها أشعة الشمس مكونة بريقاً يضفي على الغجرية مسحة جمالية خاصة، بالإضافة لتزيين الوجه وإسبال الشعر الأسود على جانبيه، أما الرجال فيلبسون الملابس المبهرجة بالألوان متعددة، إضافة إلى وضع لفافة حول الرقبة”.
وأوضح الأحمد: “مع مرور الزمن وتفاعل القرباط مع المجتمعات المختلفة التي استقروا فيها، حدث اندماج ثقافي، أثر على عاداتهم وتقاليدهم وأزيائهم، فلم يعد نمط حياتهم منعزلاً كما كان في السابق، بل أصبحوا أكثر انفتاحاً على ثقافات الشعوب الأخرى؛ ما أدى إلى تبادل وتأثر متبادل في العادات والتقاليد”.
الزواج لدى القرباط بين الماضي والحاضر
وعن عادات وتقاليد الزواج عند القرباط، بين الأحمد: “في السابق كان يتزوج الغجري بالغجرية في سن مبكرة جداً، حيث يتبع ذلك الزواج التقاليد الغجرية بصرامة من حيث طريقة الاحتفال”، مضيفاً: “ففي البدء يعطي الغجري البنت التي يختارها للزواج لفافة عنقه، وعند ارتداء الفتاة لتلك اللفافة يعني أنها قبلت الزواج به”.
وتابع: “أما الطلاق، فنادر الحدوث عند الغجر، كما هناك عادة قفز الزوجين للمكنسة، وعادة أخرى غريبة للزواج، وهي أن يتصافح الزوجان ثم تكسر قطعة من الخبز، وتسكب عليها قطرات من الدم من إبهاميهما، ثم يأكل كل واحد منهما القطعة التي فيها دم الآخر، ثم يكسر ما تبقى من قطعة الرغيف على رؤوسهما، وبعدها يغادران مكان الاحتفال، ولا يحضران إلا في اليوم التالي للمشاركة في الغناء والرقص وبذلك يتم الزواج”.
وأوضح أن عادات الزواج لدى القرباط تغيرت بشكل كبير، حيث تخلوا عن تقاليدها القديمة وتبنوا عادات الشعوب التي اندمجوا معها، فبعد أن كانت تتميز بطقوسها الخاصة، أصبحت الآن مشابهة لتلك المتبعة في المجتمعات المحيطة.
واختتم “كريم الأحمد”، حديثه، مشيراً إلى أن “القرباط قصة صمود في وجه التهميش والنسيان، فعلى الرغم من التحديات التي واجهوها، تمسكوا بعاداتهم وتقاليدهم قدر الإمكان، مدركين أهميتها كهوية جامعة لهم. ومع مرور الزمن، بدأ انخراطهم وانصهارهم في المجتمعات المحيطة يأخذ منحى أكثر وضوحاً، ما أدى إلى تبادل ثقافي أثر على عاداتهم وتقاليدهم، حيث فتح لهم هذا الانصهار، مع كل ما حمله من تحديات للحفاظ على هويتهم الخاصة، آفاقاً جديدة للتواصل والتفاعل مع العالم الأوسع”.