روناهي/ الطبقة – على سطح منزل بسيط في مدينة الطبقة، تقف “مريم محمود الخالد”، السيدة الخمسينية، وسط عشرات الأصص التي تنبض بالحياة، تراقب نمو نباتاتها بعينين يغمرهما الحنان، وتداعب بأصابعها نبتة ريحان ناعمة وكأنها كنز ثمين، لتكون قصة تجمع بين الحب والإصرار.
لم تكن الزراعة في حياة “مريم محمود الخالد”، مجرد هواية عابرة، بل كانت دوماً ملاذها، وسرّ صمودها في وجه تقلبات الحياة، وحب يرافقها منذ الطفولة، تدور بين الورود، تقف أمام كل منها، وكأن لكل واحدة منها حكاية زرعت بأناملها، تراقب النبات وهو يكبر ليكبر معه أملها.
من هواية إلى مشروع
تقول مريم لصحيفتنا “روناهي” وهي ترتب نبتة ريحان ناعمة بين أصابعها: “منذ كنت صغيرة، كنت أحب الزراعة. كانت لعبتي وراحتي، ملاذي من كل ما كان يؤلمني. لم أتخلَّ عنها يوماً حتى عندما كبرت وتزوجت، كنت أبحث عن زاوية صغيرة أزرع فيها بعض النباتات، ولو في حديقة صغيرة أو على الشرفة”.
ومع تصاعد الأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار في السنوات الأخيرة، قررت مريم أن تحوّل هوايتها إلى مشروع منزلي بسيط. منذ عامين فقط، بدأت بخطوة صغيرة على سطح منزلها، مستخدمة ما توفر لديها من بذور جمعتها بعناية، أصص قديمة وعبوات بلاستيكية كانت مركونة في الزوايا، أعادت تدويرها بذكاء. ومن هنا، وُلد مشتَلها المنزلي.
بدأت مريم بزراعة أصناف بسيطة تحبها وتعرف كيف تعتني بها، ثم توسّعت شيئاً فشيئاً لتشمل تشكيلة متنوعة من النباتات. في مشتلها تجد نباتات الزينة مثل “المكحلة، والسبع بحرات، وشكريّة، والكاردينيا، وجلد النمر، والمجنونة”، إلى جانب نباتات عطرية مثل “المسكة واللكية”، وأخرى مميزة بأسمائها المحلية مثل “الكبجوك، والكلنشو، وقطر الندى، واليوكا”. هذا التنوع لم يضف فقط جمالاً للمكان، بل جذب الزبائن من مختلف الأعمار والاهتمامات.
نجاح تدريجي وانتشار واسع
بمرور الوقت، ومع رعايتها اليومية وإصرارها، بدأ المشروع يكبر تدريجياً. أصبح مشتل مريم معروفاً بين نساء الحيّ، فصرن يتردّدن عليه لشراء نباتات الزينة والنباتات العطرية، أو حتى لأخذ نصائح زراعية. لم تعد مريم فقط “امرأة تزرع”، بل أصبحت مرجعية زراعية صغيرة، تقدم الدعم والإلهام لكل من يفكر بالبدء بخطوة مماثلة.
بالنسبة لمريم، لم تكن الزراعة أبداً مجرّد وسيلة للعيش، بل كانت وما زالت شكلاً من أشكال المقاومة والصمود. تقول بابتسامة دافئة لا تفارق وجهها. وتضيف: “الزراعة لا تطعم فقط، بل تُعلّم الصبر، وتمنحك أملاً جديداً كل صباح. كل نبتة تنمو أمامي تهمس لي أن الحياة ممكنة، رغم كل شيء”.
أمل ينمو مع النبتات
قصة مريم ليست حالة نادرة. بل هي واحدة من عشرات القصص غير المعلنة لنساء سوريات استطعن، بإصرارهن، أن يصنعن لأنفسهن فرصاً من العدم، وأن يحوّلن مساحات مهمَلة إلى واحات خضراء تنبض بالحياة. في بيئة تعاني من ضعف الدعم وقلة الموارد، تبرز هذه المبادرات كدليل حي على ما يمكن أن تفعله الإرادة حين تقترن بالهواية. حتى سطح منزل بسيط قد يتحوّل إلى مشروع حيّ، يثمر خيراً ويزرع الأمل.
مريم اليوم لا تحلم بالكثير، فقط أن يستمر مشروعها، وأن تُلهم نساءً أخريات لاكتشاف قوة الحب الكامنة في داخلهن. فكما تقول: “في كل زهرة تنمو على سطح مريم، هناك حكاية صمود، ودعوة مفتوحة لزرع الأمل، حيثما وُجد الحب”