آزادي حلبجة
مثلما لم يُدَوَّن تاريخ عبودية المرأة ويتطلب معرفة تاريخها كي تستطيع تدوين تاريخ حريتها، كذلك لم يدوّن تاريخ عبودية الإنسان للإنسان في الشرق الأوسط فمن الضروري معرفة هذا التاريخ في سبيل بناء المجتمع الديمقراطي، ففي المجتمع الطبيعي “النيولوتيك”، حيث كان يعيش المجتمع في توازنٍ مع الطبيعة بشكلٍ متناغم وكانت الحياة الاجتماعية في أوج المساواة والعدالة ويجتهد كل فرد في سبيل تأمين حاجات المجتمع، ولأن الطبيعة هي المنتجة والمصدر الوحيد لسد حاجات المجتمع، حيث لم يكن هناك مصطلحات العامل والسيد ولم يواجه المجتمع أي مشكلة اقتصادية، ومع التغيير في ظروف المناخ والجفاف المفاجئ الذي شهده الألف الرابع والثالث قبل الميلاد، حيث أدى امتداد دجلة والفرات في واحة خصبة وقريبة من خليج البصرة إلى محصول وفير وكذلك دخول الزراعة المروية عن طريق أقنية الري بالإضافة لأشجار النخيل الكثيرة والأسماك إلى توفر الإمكانية للبدء بالاستقرار في مرحلة تاريخية التي يقال فيها إن “التاريخ يبدأ بـ سومر”، ويقوم الرجل بإنشاء الزقورات في تلك الجغرافية والذي يؤسس معبد الإله الرجل مقابل معبد الآلهة الأم ويقوم الرهبان بتطوير ذهنية الرجل الذي أعلن عن نفسه كممثلٍ السماء على الأرض وقدسية نظامه حتى قسم المجتمع إلى طبقات وشجع الناس على العمل حول الزقورات حيث مهد السبيل أمام إنتاج لا مثيل له وتدريجياً تحولت الزقورات إلى مراكز التجارة وأسست المدن حولها وكما يقول القائد آبو: “الزقورات ليست فقط نظام المعابد وإنما ذهنية النظام السلبي للهيمنة”.
وربما لأول مرة يظهر مصطلح العبد والرب في مرحلة الزقورات؛ حيث يكون الإنسان عبد وهو مخلوق فقط لخدمة الرجل الرب، وفي عهد الإمبراطوريات حيث كان هم العبد فقط هو الحصول على رضا الملوك والأباطرة ويعمل ليلاً نهاراً مقابل زبدية عدس ليس من أجل الشبع وإنما كي يعيش ويستمر في خدمة أسياده، ويكون العبد محروم من أبسط حقوقه الإنسانية وما أهرام مصر وغيرها إلا وثائق تدل على مدى تعبيد الإنسان لأسياده، حيث يُدفن العشرات من العبيد أحياء مع أسيادهم اعتقاداً منهم باستمرار خدمتهم في الدنيا والآخرة لهم، ويتطور مصطلح العبد إلى عدة مصطلحات (العبد والقن)، ربما لَعِبَت طبقةُ العبيدِ أو الأقنان في الإطاحة بنظام العبيد، ولكن سرعان ما أُصِيبَت بالهشاشة والبَلادةِ بالتوازي مع كِبَرِ حجمِها ورسوخِها، وتوافَقت مع الطبقاتِ الفوقية، وفَقَدَت وظيفتَها في عهد الإقطاعية لتنخدع ببعض الحقوق المزيفة كتشكيل عائلة وملكية تحت إشراف الآغا ويتغير من العبد والرب إلى العامل والأرستقراطي.
أي مهما اختلفت التسميات فيبقى العامل هو ذلك العبد الذي يعمل لخدمة أسياده وعندما فرض الإنسانُ الرقَّ على أخيه الإنسان، وسلَّط فأسه الظالمة وتخريباته على الطبيعة تحولت الأراضي الأشبه بجنات النعيم إلى صحراء مجدبة.
وحينما كانت ساعات العمل غير محددة ويستغل طاقة العمال بأجور رخيصة ومحرومة من أغلب الحقوق فخاض العمال نزعات عمالية لتخفيض ساعات العمل، وجاء إضراب شيكاغو في المدينة الأمريكية في يوم الأول من أيار 1886 تحت شعار «ثماني ساعات عمل، ثماني ساعات نوم، ثماني ساعات فراغ للراحة والاستمتاع»، الأمر الذي لم يَرُق للسلطات وأصحاب المعامل ولأن الإضراب حقق نجاحاً وشلَّ الاقتصاد في المدينة فالقت الشرطة النار على المتظاهرين واعتقل قادة العمال وحُكم عليهم بالإعدام وحُكم على البعض بالسجن لسنوات طويلة، ولكن سرعان ما انتشرت فتيلة هذه المظاهرة إلى عدة مدن أمريكية وخرجت من نطاق مظاهرة عمالية في أمريكا لتخترق العديد من حدود دول العالم.
وبلغ عدد تلك الإضرابات خمسة آلاف إضراب وتحت ضغط ومطالب العمال اضطرت الدول تخصيص يوم عالمي للعمال، وفي عام 1958 اعتبر الكونغرس الأمريكي هذا اليوم، يوم وفاء (لذكرى هايماركت) بعدما حظي بالتقدير من دول عديدة وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي، وأعلن الرئيس الأمريكي أيزنهاور الأول من أيار يوم إجازة رسمية.
وفي ظلِّ الحداثة الرأسمالية شكلت نقابات لتتظاهر وكأنها تحمي حقوق العمال ألا وهي بالأصل لعبة من ألاعيب النقابة العمالية والعمالة لرب العمل ولا تعني سوى البقاء طيلة الحياة في دائرة عبودية العامل بالتنازلات البخسة.
فالرأسمالية تسعى إلى تشهير الصناعة لزيادة الإنتاج وتقليل العاملين مما يؤدي إلى أزمة البطالة واحتكار السوق والسلع الفاسدة وجيش العاطلين عن العمل والجائعين، وحولت الشرائح الكادحة المأجورة في المجتمع إلى دجاجة تفقيس، ويُلَقَّن الجميع بأن المعنى الوحيد للحياة يكون بالأجر الطُّعم، الذي يكاد يسد الرمق، ويصبح خيال الإنسان أن يكون لديه ما يشبع بطنه ويملئها، والأنكى من كل ذلك هو مهارة النظام في تفشي البطالة الأكبر على مرِّ التاريخ؛ حيث يُضخَّم من كمّ جيوش العاطلين عن العمل، وتكون دوماً على أهبة الاستعداد، من أجل الحظي بعاملٍ رخيص، لا يغدو العامل في هذه الحالة قيمة بحد ذاتها، بل هو ملحق بمؤسسته أو برب عمله. ومثلما يكونان هما، يكون هو.
الاقتصادُ الكوموناليُّ الديمقراطيُّ هو سبيلُ الحلِّ الأمثل لتَمكينِ بعثِ الحياةِ الإنسانيةِ مجدداً داخل المجتمع، الذي حولته الرأسماليةُ إلى حشداً من العمالِ العبيدِ والعاطلين عن العمل، حصيلةَ نزعةِ الربحِ الأعظم لديها، لنصبح ديمقراطيين ونحارب في سبيل الحرية حينها لن يبقى عاطلاً عن العمل ولو لساعة واحدة.
وتطبيق الأمة الديمقراطية في شمال وشرق سوريا هو جزء مصغر لرعاية العمال، حيث يعتبر العامل عضو فعال في نظام الإدارة الذاتية وعظمة مناسبات الاحتفال بهذا اليوم هو دليل على مدى انخراط العمال في فكر الأمة الديمقراطية تحت فكر العامل ومؤسس حزب العمال الكردستاني القائد عبد الله أوجلان.