قامشلو/ دعاء يوسف – يعكس اليوم العالمي لحرية الصحافة واقعًا مؤلمًا في سوريا، حيث لا تزال الكلمة الحرة تكلّف الصحفيين حريتهم وحياتهم، وفي ظل غياب بيئة قانونية محمية ومهنية، يظل مستقبل الإعلام السوري مرهونًا بالتغيير السياسي والإصلاح القانوني الذي يضع حرية التعبير في قلب العملية الديمقراطية.
يُحيي العالم في الثالث من أيار من كل عام اليوم العالمي لحرية الصحافة، وسط دعوات متجددة لحماية الصحفيين وتعزيز بيئة إعلامية حرة وآمنة، وفي سوريا، لا تزال الصحافة تدفع ثمن الكلمة، وسط استمرار الانتهاكات الجسيمة بحق العاملين في المجال الإعلامي، وتدهور واقع الحريات، وتعدد الجهات التي تمارس الرقابة والقمع على الصحفيين.
واقع قاتم بالأرقام
ولا تزال سوريا من بين أسوأ دول العالم في تصنيف حرية الصحافة، حيث جاءت في المرتبة 175 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2024، الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود (RSF).
ووفقًا لـ الشبكة السورية لحقوق الإنسان (SNHR) ولجنة حماية الصحفيين (CPJ)، فإن الانتهاكات في سوريا كانت 494 صحفيًا قتلوا منذ 2011 حتى بداية 2025، منهم 28 صحفيًا قُتلوا في السنوات الثلاث الأخيرة فقط، و478 صحفيًا وإعلاميًا لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري.
فيما تشير تقارير المنظمة السورية للإعلام والتنمية إلى أن:74% من الصحفيين السوريين يعتمدون على الإعلام الرقمي كوسيلة أساسية للنشر، و65% من الحسابات الإعلامية على وسائل التواصل تعرضت لإغلاق أو بلاغات أو حظر جزئي خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وأن أكثر من 200 صفحة إعلامية على Facebook وYouTube تم حذفها أو تقييدها منذ 2020.
وفي إقليم شمال وشرق سوريا قتل العديد من الصحفيين أثناء تغطيتهم الإعلامية، فقد استشهد 30 اعلامياً في مناطق متفرقة، رغم هذه الانتهاكات، لا تزال الاستجابة الدولية محدودة. وقد أصدرت “مراسلون بلا حدود” عدة إدانات، مطالبة بفتح تحقيقات دولية في هذه الحوادث، دون أن تلقى دعماً فعلياً من الهيئات الأممية.
وتشير الإحصائيات إلى وجود نمط ممنهج في استهداف الصحفيين والإعلام في إقليم شمال وشرق سوريا، ما يُعد خرقاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني. ويتطلب هذا الوضع تعزيز الحماية الدولية للصحفيين ومحاسبة الجهات التي تستهدفهم عمداً.
القيود والتضييق الإعلامي
ولا توجد في سوريا تشريعات مستقلة تحمي الصحفيين أو تضمن حرية النشر، بل على العكس، يتم تفعيل قوانين مثل قانون الإعلام رقم 108 لعام 2011 وقانون الجرائم المعلوماتية المعدل عام 2022 لمعاقبة الصحفيين.
وقد رصدت مؤسسة إعلاميون من أجل حرية التعبير، توقيف ما لا يقل عن 57 صحفيًا ومدوّنًا عام 2024 وحده، بتهم تتعلق بـ “المساس بالرموز الوطنية” أو “نشر أخبار كاذبة”.
وبلغت ظاهرة الاعتداء على الصحفيين والإعلاميين حدًّا بالغًا من الخطورة على الرغم من وجود قواعد حماية دولية مقررة، لكن العديد من أطراف النزاعات سواء أكانوا دولًا أو جماعات مسلحة تتجاهلها، فالأمر لم يعد مجرد اعتداء فقط، بل ظاهرة تكتسي طابعًا ممنهجًا وفق استراتيجية محكمة في غالب الأحيان من قتل واختطاف واعتقال إلى قصف محطات الإذاعة والتلفزيون.
وإلى جانب ذلك يخضع الأعلام إلى العديد من القيود التي تفرضها الجهات المسيطرة على المنطقة ففي دمشق الخاضعة للحكومة المؤقتة، لا يُسمح بوجود أي إعلام مستقل، وفي شمال غرب سوريا (إدلب وما حولها)، توجد نحو 60 وسيلة إعلامية مستقلة، لكنها تواجه تضييقًا من قبل الجهات التابعة لها.
وفي إقليم شمال شرق سوريا، تعمل أكثر من 35 مؤسسة إعلامية بتمويل محدود، وعلى الحدود السورية التركية، تلجأ مؤسسات إعلامية للتمركز، لكنها تبقى تحت الضغط السياسي والمخاطر الأمنية.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد كفلت اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 الحماية للصحفيين بصفتهم أفرادًا مدنيين، مؤكدةً، على ضرورة تأمين سلامتهم أثناء النزاعات المسلحة، كما عزز البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 هذا المبدأ، حيث نص في المادتين 52 و79 على الحماية العامة للأعيان المدنية، ومن ضمنها وسائل الإعلام، إلى جانب حماية الصحفيين الذين يؤدون مهامهم في مناطق النزاع.
ويُعد استهداف الصحفيين، الذين يمكن التعرف عليهم من خلال ستراتهم الواقية المميزة، انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي الجنائي. ووفقًا للمادتين “سبعة وثمانية” من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (ميثاق روما لعام 1998)، فإن مثل هذه الانتهاكات تُصنَّف كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
المرأة والصحافة
وحسب دراسة أجرتها منظمة “صحفيات بلا قيود” عام 2024، فإن النساء يمثلن فقط 18% من العاملين في الإعلام السوري، و74% من الصحفيات أفدن بتعرضهن لمضايقات، تهديدات، أو تمييز مباشر، كما أن 12 صحفية سورية لا تزلن في عداد المختفيات قسرًا.
وعلى الرغم من القيود والانتهاكات، لا تزال المرأة الصحفية في سوريا تواصل عملها، مدفوعة بإيمانها بدور الكلمة الحرة. ولكن ما لم تتحرك الجهات الحقوقية والمؤسسات الإعلامية بشكل جدي لدعمهن، فإن صوت المرأة في الإعلام سيبقى في دائرة الخطر.