د. حسن مدن
في تقديمه لكتاب «في الحب واللغة» للكاتبة إتيل عدنان (1925 – 2021) المولودة في بيروت من أب سوري وأم يونانية لاجئة من إزمير، كتب فواز طرابلسي الذي ترجم الكتاب إلى العربية يقول: «كثير ما تُشبّه الترجمة بالخيانة، ولكنني على العكس من ذلك مارستُ ترجمة إتيل بما هي فعل حب ورغبة في الاستحواذ، فكلّ مترجم يحمل شهوة مكبوتة ومراوغة: أن يكون هو مؤلف النص لأنه قد ألّفه في لغته».
فالتر بنيامين في كتابه «مهمة المترجم» الذي نقله إلى العربية أحمد أبو الحسن، قال: «إذا كان لا بد من إثبات قرابة اللغات من خلال الترجمات، فإن هذه القرابة تتجلى أكثر بترجمة تكون أكثر عمقاً ووضوحاً من التشابه السطحي الموجود بين نصين شعريين، ولكي نفهم العلاقة بين الأصل والترجمة لا بد من تحقيق مماثل يهدف إلى البرهنة بالنقد المعرفي على استحالة أي ترجمة تسعى في جوهرها إلى التشابه مع الأصل، فقابلية التغيير تكمن في دوام الأصل الذي لا يمكن أن تطلق عليه هذه الصفة لولا التحوّل والتجديد اللذان يعرفهما الجانب الحيوي فيه».
أما المترجم قحطان جاسم فيشير في توطئته لترجمة كتاب «التكرار» لمؤلفه الدنماركي سورن كيركورد، إلى نمطين في الترجمة، أوّلهما يتوخى الترجمة الحرفية، والثاني يشتغل على مقاربة المعنى والعمل على نقله إلى اللغة الأخرى التي ترجمه إليها. ولكل من المنهجين محاذيره، فالأول وهو يسعى إلى البحث عن مفردة تقابل المفردة الأجنبية، يكون عرضة للابتعاد عن دلالة المفردة الواردة في الأصل، فليس ما يقابلها في اللغة المترجم إليها هو بالضرورة يحمل المعنى نفسه.
يفترض في المترجم الناجح أن يكون ملماً باللغة التي يترجم منها، وأن يكون متمكناً أيضاً من اللغة التي يترجم إليها، وقد يفطن القارئ الحصيف إلى ما يعتري النص المترجم من إرباك، خاصة في حال الترجمة الحرفية، فيلمس ركاكة العبارة أو شحنة التعقيد فيها، وقد ينفره ذلك من قراءة الكتاب، حين يفتقد فيه السلاسة واستعصاء الإمساك بالفكرة، ولكن هذا القارئ نفسه قد ينطلي عليه الأمر، حين تكون الترجمة مبنيّة على الأسلوب غير المعنيّ بحرفية الترجمة، وإنما بدلالات المفردات والعبارات، عندما يجنح المترجم إلى الخروج عن «روح» النص الأصلي، متجاوزاً حدوده كمترجم.
حين سئل الأكاديمي والمترجم التونسي منير الكشو «ما الأولوية: الترجمة أم التأليف؟»، أجاب «هما خياران غير منفصلين، حين نسأل لماذا نترجم؟ فإننا نترجم من أجل تنمية فكرنا، بعبارة أخرى نترجم من أجل تأليف كتب جيدة، أي أن الترجمة ينبغي أن تخدم التأليف»، محذراً من أن يتحول الأمر إلى تكرار وإعادة لنظريات تجيب عن أسئلة مجتمعات أخرى، لا أسئلة مجتمعاتنا.