هيفيدار خالد
وكأن الأوضاع في سوريا تتجه نحو الأسوأ بعد سقوط النظام البعثي السابق، ودخول البلاد مرحلةً جديدةً من التعقيدات والتحوّلات الدراماتيكية التي من شأنها أن تفاقم الأوضاع السياسية والأمنية وتخلق آثاراً سلبيةً على المشهد العام، فجميع القوى الإقليمية والدولية في حالة سباق من أجل تقسيمها. ربما لم يُدلِ أحد بتصريحات صريحة أو بيانات بشكلٍ علني، إلا أنه من خلال متابعة الأوضاع من الميدان، نرى مساعي خفيةً وسرية من أجل ذلك، والكل في حالة استنفار في سبيل الحصول على جزء من سوريا التي مزقتها الحرب والصراع الدائر منذ أكثر من اثني عشر عاماً على ترابها.
لكن القراءة الدقيقة للأوضاع الحالية تمكن من معرفة مساعي الدول الغربية والأوروبية في الوقت الحالي، والتي كلها جارية من أجل تقسيم سوريا، لا من أجل دمقرطتها أو خلق مسار ديمقراطي حقيقي يحمي وحدة أراضيها وشعبها وسيادتها. بل سعياً لتكريس التقسيم الذي لا يبتغيه الشعب السوري بالأساس، وإزاء هذا الوضع تبدو الخيارات السوريّة محدودة، ومقيدة، وعلى ذلك فإن الخيار الممكن والأسلم بالنسبة إلى سوريا هو ضرب هذه المساعي والجلوس إلى طاولة حوار والتعاضد والتكاتف في وجه هذه السياسات.
وبما أن خيار تقسيم سوريا يقود عملياً وبشكلٍ مباشر إلى ترسيخ بعض القوى الخارجية لنفوذها، فلا بدّ للأطراف السورية الفعالة والتي لها دور بارز من مواجهة المخططات والمشاريع الخارجية الساعية إلى السيطرة على سوريا، وعلى وجه الخصوص الدولة التركية التي تشكل عامل عدم استقرار في المنطقة، ولها تاريخ سيء في غزو الأوطان وممتلكات الشعوب في المنطقة. واستراتيجية تهدف دوماً إلى إحكام السيطرة على الداخل السوري، وتوسيع رقعة نفوذها الإقليمي، وبالطبع الوصول إلى هذه النتيجة سوف يكون مكلفاً بالنسبة إليها أيضاً، إذ ما حاولت السعي وراء أطماعها التاريخية في الوقت الحالي. كما أن سوريا اليوم في مرحلة انتقالية، والعبور من هذه المرحلة يجب أن يكون وفق أسس صحيحة وسليمة، والتي ستحدد مستقبل سوريا وشعبها بشكلٍ كامل. كما يتطلب الأمر التعامل بواقعية مع التغيير في سوريا ووفق شروط تضمن وحدة التراب السوري. السلطة الجديدة في دمشق تواجه تحديات كبيرة على هذا الصعيد، خاصة من ناحية مواجهة مخططات التقسيم ومحاولات القوى الخارجية فرض سيطرتها وسياستها ومخططاتها ومشاريعها عليها، وإجبارها على السير وفق النهج الذي وضعته وخريطة الطريق التي رسمتها منذ بداية سقوط النظام، وبالتالي أمامها مسيرة صعبة للغاية.
لذا؛ وحدة الشعب السوري أساس متين وقوي لمواجهة مشاريع الهيمنة على سوريا، والتصدي لمخططات القوى العالمية المهيمنة والتي جعلت من سوريا ساحةً لتصفية حساباتها على حساب دماء الشعوب، مستغلةً حالة الفوضى وعدم الاستقرار في البلاد، وتكاتف الشعوب هو الذي سيكون السد المنيع في وجه محاولات السيطرة على الإرادة السورية ولا بد لجميع السوريين من أن يكونوا بالمرصاد لها، وأن يصعّدوا النضال أكثر من أجل دمقرطة سوريا لا تقسيمها.