اوميت قارداش
ترجمة وإعداد: باقي حمزة
هل يمكن لتركيا أن تتغير؟ من الصعب الإجابة على هذا السؤال. فلنفهم أن الطريق صعب وشائك ومليء بالعقبات. نحن بحاجة إلى تشكيلات جديدة، وأفكار جديدة، ومفاهيم وكلمات جديدة تتحدى النظام القائم.
خلال فترة الانتقال من البنية التعددية للإمبراطورية إلى الجمهورية، جرت محاولة لبناء أمة تعتمد على الهوية التركية ذات أيديولوجية أحادية. ومن الآن فصاعداً، ستكون هناك هوية عرقية واحدة، ودين واحد، وطائفة واحدة، ولغة واحدة، وثقافة واحدة. لم يكن من الممكن تطبيق “الصوت الأوحد” والتحديث دون استخدام الضغط والعنف.
لقد أتت الجمهورية بنظام تمثيلي تنعكس فيه إرادة الشعب من خلال صناديق الاقتراع، ولكن سيادة الشعب لم تنعكس بشكلٍ عادل في البرلمان بجميع أجزائه.
ولكن الأهم من ذلك هو أن أساس الجمهورية الحقيقية والمواطنة المتساوية لم يتحقق بعد. أراد المؤسس للدولة إنشاء دولة نتيجة للظروف البيروقراطية العسكرية. ومع ذلك فإن النظام تم بناؤه على بقايا إمبراطورية عالمية متعددة وعقلية أحادية ومنعزلة ومهيمنة، ولم يكن هذا الفهم متوافقاً مع الجمهورية بسبب تأثيره المنفر والمنفّر. ومن الضروري أن نعرف أن الكرد، أحد أقدم شعوب الشرق الأوسط الذين تقاسموا مصيرًا ومشاعر مشتركة مع الأتراك، لم يتعرضوا للخداع فقط عندما تأسست الجمهورية، بل تعرضوا أيضًا للإنكار والتدمير والقمع والترحيل من خلال ممارسات غير إنسانية.
إن الانتفاضات الكردية التي حدثت عدة مرات خلال الفترة الممتدة من عام 1919 إلى عام 1938، والتي استمرت لمدة 19 عاماً، هي نتيجة لذلك، ولم يطرأ أي تغيير على هذه السياسات بعد التحول إلى التعددية الحزبية. ما حدث بين عامي 1980 و1983، وخاصةً في سجن ديار بكر ومراكز الاحتجاز، أصبح الآن معروفاً للجميع.
إن القضية الكردية التي تُركت كجرحٍ مفتوح تركت الباب مفتوحاً أمام القوى العظمى للتلاعب بتركيا. إن الدخول في المستنقع السوري الذي أصبح منطقة اهتمام للقوى الكبرى، بحجة مكافحة الإرهاب، تسبب في خسائر عسكرية وصعوبات اقتصادية، وفي حين تحاول تركيا الآن الخروج من هذا المستنقع، لكن لا يبدو أنها حققت شيئاً على الإطلاق. تم إبعادها من مشروع F-35 وتواجه صعوبة في شراء F16، وأصبحت صواريخ إس-400 غير صالحة للاستخدام.
ولكن لو استجابت تركيا لمطالب الكرد بالحقوق والحريات داخل البلاد، وضمنت السلام دون أن تذهب إلى هذا الحد، لكانت قادرة على عرض نموذجها كمثال للدول المجاورة، ولكانت أخذت زمام المبادرة لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
نعم، من أجل السلام لا بد من تهدئة الغضب، والابتعاد عن المشاعر الانتقامية، واستخدام لغة سلمية، ولكن هذا لا علاقة له بالنسيان. ما سيوقف الغضب والانتقام ليس محو آثار الماضي، بل بناء مستقبل جديد مبني على تلك الآثار حتى لا نختبر أو نسبب نفس الألم مرة أخرى، حتى نتمكن من قول “لن يتكرر هذا أبدًا”.
والنقطة الممتعة هنا هي أن الكرد، الذين خرجوا من نضال تاريخي، تمكنوا من تجاوز واقعهم المأساوي، والتعاطف مع كل المجموعات المتضررة، ورؤية الحل في التحول الديمقراطي في تركيا. ولكن؛ بعد الأحداث الأخيرة، هل سيظل هذا الشعور بالوحدة والمشاعر والتضامن الاجتماعي أحد أكثر الركائز صلابة التي يجب التمسك بها في بناء مستقبل تركيا الديمقراطي؟
تُحكم تركيا بعقلية معادية للديمقراطية والقانون، حيث يُعتبر الرقص على أنغام الموسيقى الكردية والغناء باللغة الكردية جريمة، ويتم تعيين الأمناء في مناصب رؤساء البلديات دون مراعاة إرادة الناخبين الكرد، ويتم اعتقال السياسيين الكرد لأسباب سياسية.
عندما كنت أنهي سلسلة مقالاتي المكونة من عشرة أجزاء بعنوان “الاتجاه الإلزامي: بناء الديمقراطية مع الكرد”، والتي بدأت في نشرها قبل عشرة أشهر، لم أكن متفائلاً للغاية بشأن إيجاد حل لمشكلة عمرها أكثر من قرن من الزمان. لكن؛ التطورات التي جرت في الشرق الأوسط خارج إرادة تركيا أدت إلى تغيير عقلاني في النواة الصلبة للدولة. إن الطريقة الوحيدة للهروب من الانقسام كانت من خلال ديمقراطية الدولة على أساس قانوني، أي من خلال تلبية مطالب الكرد في الحقوق والحريات، وهذا يعني تغييراً عاماً لجميع الضحايا.
ولا شك أن هذه القضية سوف تحل مع المحاور، أي المفكر عبد الله أوجلان وحزب المساواة ديمقراطية الشعوب . ونظراً للحساسيات الاجتماعية، تم إسناد هذه المهمة إلى دولت بهجلي. لكن؛ في هذه المرحلة برزت مفارقة بين مكونات تحالف الشعب، لأنه كان من المستحيل على نظام الفرد الاستبدادي الذي تشكل بدعم من حزب الحركة القومية أن يحقق هذا التغيير.
ويبدو أن قرار التغيير الذي اتخذ خارج إرادة الرئيس أردوغان، وضعه في مأزق. وعلاوةً على ذلك، من المفهوم أنه مع الخطوة الأخيرة التي اتخذها إمام أوغلو، تغيرت الأرضية الشرعية التي كان بإمكانه الاعتماد عليها، كما ضاعت إمكانية العودة إلى الديمقراطية وسيادة القانون. إن الزمن هو الذي سيخبرنا ما إذا كان بهجلي سيحاول التأثير على أردوغان لحمله على السير على خط التغيير، أو ما إذا كان سيجد شركاء آخرين يستطيع معهم تحقيق التغيير.
إن التغيير يجب أن يكون في اتجاه بناء عقد اجتماعي جديد يجمع كل الفئات المتضررة ويرسي مبادئ العيش في حرية ومساواة وسلام في ظل أمن القانون مع اختلافاتهم، ويبني ديمقراطية متعددة وتعددية وتشاركية وليبرالية ومبنية على سيادة القانون.
يريد الناس أن يعيشوا في مكان، حيث تكون الحقوق والحريات آمنة قانونيًا وحيث لا يتم استبعاد أي شخص باعتباره “آخر”. الكرامة التي تشكل احترام الإنسان لذاته، هي قيمة داخلية لا غنى عنها. وفي هذا الصدد، يتعين على ضحايا جميع شرائح المجتمع القادرة على التعاطف مع بعضهم البعض والأحزاب السياسية التي لديها الشجاعة لتحمل مظالمهم أن يشكلوا تحالفاً.
وبما أن الأيديولوجية المؤسسة للدولة تقوم على مبادئ “الوحدانية”، و”استيعاب أو إنكار أو تدمير ما هو مختلف”، و”المركزية”، في مقابل مفاهيم “التعددية”، و”احترام الاختلافات”، و”المشاركة”، و”التفاوض والتسوية”، وبما أن هيكل الدولة (السلطة، والسلطة التشريعية، والقضاء، والبيروقراطية) وجميع أجهزتها قادرة على تغذية هذه الأيديولوجية وإعادة خلقها باستمرار، فإن حاجزًا هائلاً لا يمكن التغلب عليه ينشأ نحو الثبات.
على حد تعبير كارل غوستاف يونغ: “الأزمات والصدمات والأمراض لا تحدث صدفة. إنها بمثابة مؤشرات لنا لتصحيح مسارنا، واكتشاف اتجاهات جديدة، وتجربة أسلوب حياة مختلف”.