الدرباسية/ نيرودا كرد – على أطراف مدينة الدرباسية التابعة لمقاطعة الحسكة، تقع قرية تعلك، فهي واحة تاريخية تعبر عن جذور عميقة تمتد لقرون، وتعكس قصة حضارية استثنائية تروي تفاصيل حياة السكان الذين عاشوا في هذه الأرض المثمرة.
تنفرد قرى إقليم شمال وشرق سوريا بخصائص قد لا توجد في القرى الأخرى في المنطقة، فهذه القرى تتميز بوسعها على أطراف المدن في الإقليم، حيث يكاد لا يكون في إقليم شمال وشرق سوريا مدينة إلا وتتبع لها عشرات القرى على أقل تقدير، كما أن هذه القرى، وعلى الرغم من التطورات الكبيرة التي شهدتها الحياة، إلا أنها لا تزال محافظة على عراقتها من خلال تصاميم منازلها، والتمسك بالعادات والتقاليد التي تربى أهلها عليها.
وإلى جانب ذلك، فإن أهالي هذه القرى يأبون منذ البداية التخلي عن منازلهم وقراهم، فيصعب عليهم ترك ماضيهم وذكرياتهم والهجرة من قراهم. لذلك؛ وعلى الرغم من هجرة عدد من سكان القرى إلى المدن، إلا أن الغالبية العظمى من أهالي قرى إقليم شمال وشرق سوريا لا زالوا يرفضون التخلي عن تاريخهم.
ومن بين هذه القرى، تستمر قرية “تعلك”، الواقعة على بعد 30كم غرب مدينة الدرباسية في أن تكون موروثًا حضاريًا يستحق الاحترام والاهتمام، فزيارة هذه القرية هي رحلة لاستكشاف عمق التاريخ ورونق الثقافة، وفرصة لاكتشاف تفاصيل ماضٍ عريق لم ينجُ من السياسات العنصرية، التي اتبعها نظام البعث البائد على مدى عقود من الزمن.
نشأة القرية وأهميتها
ولمعرفة تفاصيل أكثر عن تاريخ قرية تعلك، التقت صحيفتنا “روناهي”، أحد أبناء القرية “محمد علو” والبالغ من العمر 70عاماً: “كانت قرية تعلك موجودة منذ زمن بعيد، وعندما أتينا للاستقرار فيها كان يوجد فيها 15 منزلاً فقط”.
وتابع “إن مؤسسي القرية هم عائلة جميل باشا، ولكن بعد زواج الأبناء وتوسع العوائل، أصبح عدد المنازل في القرية ما يقرب 60منزلاً”.
ويتنوع التوزع العشائري في قرية تعلك بين عدة عشائر، حيث يسكنها عوائل من عشيرة “تيركا” وأخرى من عشيرة “الأومرا”، وعوائل من “العفاضلة”، وكذلك “الكابارا”، إضافة إلى عوائل تنتمي إلى عشائر أخرى، وتربط هذه العوائل علاقات المحبة والألفة والمودة التي كانت السبب في أن يعيش هؤلاء مع بعضهم دون نشوب أي خلافات بينهم.
القرية وسياسات الظلم
وأشار “علو” إلى أن قرية تعلك تعرف بتراثها الزراعي الغني، حيث يمارس سكان القرية الزراعة نشاطاً رئيسياً يعتمدون عليه لتأمين معيشتهم، وتمتاز القرية بزراعة محاصيل متنوعة مثل “الحنطة، والشعير، والخضروات الطازجة”، ما يجعلها واحة خضراء في منطقة جافة.
وإن سكان القرية يربون المواشي ليحصلوا على اللبن، والحليب، والجبن، إلى جانب الصوف.
وتابع علو: “لم تسلم قريتنا من مظالم نظام البعث، التي مارسها بحق قرى المنطقة، والتي كانت تهدف في حينه إلى تغيير الهوية الديموغرافية للمنطقة، حيث أن حافظ الأسد استولى على ما يقرب ستة آلاف دونم من أراضي القرية، وقام بتوطين الغرباء فيها، ومنحهم هذه الأراضي”.
وأضاف: “وكان ذلك خلال محاربته عائلة جميل باشا، التي تعرف منذ ذلك الوقت بوطنيتها وعملها في سبيل قضية شعبها، الأمر الذي أجبرنا على العمل لدى هؤلاء الغرباء فلاحين في أرضنا التي استولوا عليها، وذلك في سبيل البقاء في قريتنا وعدم الهجرة منها، ولا يزال هذا الواقع مستمرا حتى يومنا هذا”.
بوادر الحرية أثناء الثورة
وفي مقارنة بين الماضي والحاضر، أكد علو، على أن ثورة التاسع عشر من تموز في إقليم شمال وشرق سوريا قد احدثت نقلات نوعية لشعوب المنطقة، فالحرية عادت بفضل تضحيات بنات وأبناء إقليم شمال وشرق سوريا، فهويتهم التي حاول البعث أن يطمسها، باتت اليوم واقعاً لم يعد باستطاعة أحد أن ينكرها، إضافةً، إلى حالة الأمن والاستقرار التي وفرتها الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، والتي لولا هذه الثورة لما تمتعت بها شعوب هذه المنطقة.
وأنهى “محمد علو”، من أهالي قرية تعلك التابعة لمدينة الدرباسية، حديثه: “إن التغيرات الإيجابية التي طرأت على المنطقة بعد انطلاق ثورة التاسع عشر من تموز، كانت العامل الأساسي التي دفعت أبناء وبنات المنطقة للانخراط في هذه الثورة، حيث أن أي ثورة لا يمكن أن تنتصر دون مشاركة أفراد الشعب فيها”.
مضيفاً: “وكما باقي شعوب هذه المنطقة، فقد انخرط أهالي قرية تعلك في هذه الثورة منذ انطلاقتها، وقد قدمنا العديد من الشهداء في سبيل هذه الأرض، إضافةً، إلى وجود عدد كبير من أبناء وبنات القرية في مؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، حيث أن هؤلاء يقومون بأداء واجبهم تجاه وطنهم وشعبهم وثورتهم، ومن خلال هذه العقلية، وهذا النمط من التفكير، استطعنا أن نحافظ على مكتسبات ثورتنا وتطويرها، وسنبقى دائماً ملتزمين بهذا النهج، سائرين على خطا شهداؤنا”.