رفيق إبراهيم
مرحلة ما بعد سقوط النظام البعثي، تتسم بتعقيدات وتحديات كبيرة، خاصة أن النظام السابق وعلى مدار خمسة عقود، سيطر على مفاصل الدولة، مستخدما في ذلك، سياسة القمع والتنكيل والتهميش، والقبضة الحديدية، وهذ السياسة الممنهجة جعلت المجتمع السوري مفككاً، لا يستطيع الحركة بحرية، على الرغم من وجود ما سمي بالجبهة الوطنية، التي ضمت أحزاباً وقوى سياسية أخرى، لكنها حافظت على تبعيتها للنظام البعثي السابق، دون أن يكون لها رأي خاص أو معارض للنظام البعثي.
التفرد بالسلطة وتخوف السوريين
وجراء تلك السياسات وبعد سقوط النظام، بات من الضروري اليوم، الالتفاف إلى مطالب الشعب السوري، في الحرية والديمقراطية، وهو نوع من رد الاعتبار لهذا الشعب الذي تحمل المظالم من سياسات النظام السوري السابق، ومن هنا يجب وضع الملف السوري على السكة الصحيحة، وسلطات دمشق عليها تحمل وزر ما بقي من قضايا عالقة، وأن تتجه للحلول السلمية والسياسية، وعلى الرغم من تطمينات السلطات الجديدة للشعب السوري، بالحفاظ على حقوق السوريين، وحماية الأقليات، وتطبيق القانون والعدالة، إلا أن ما يحدث على أرض الواقع يضرب تلك الوعود عرض الحائط.
رياح التغيير التي طالت سوريا، لا يمكننا اختزالها، بذهاب حكم ومجيئ بحكم جديد، خاصة أن من يسيطر على زمام الأمور في دمشق، معروفون بارتكابهم جرائم ضد الإنسانية، ويمتازون بتشددهم واتخاذهم الإسلام الراديكالي المتطرف، لتحقيق أجنداتهم في سوريا، وخلع الزي العسكري وارتداء الزي المدني، لا يعني البتة تغيير السياسيات التي طبقوها في السنين السابقة، تلك السياسة التي تتبع القاعدة وداعش، ومجازر الساحل السوري تؤكد كل ما نقوله.
التوقعات، وما يحدث على الأرض، تذهب باتجاه، التفرد بالسلطة، وفرض نظام رئاسي مركزي، يؤدي إلى السيطرة على القرار والإمساك بالسلطة، وهذا ما يتخوف منه السوريون، وما يحدث اليوم في سوريا، يدل على أن من جاء لحكم سوريا، لا يختلف عن سابقه، لأن الأعمال التي تقدم عليها سلطات دمشق، حتى الآن، تثبت ما سردناه سابقاً، فمنذ الاجتماع الأول أكدت سلطات الأمر الواقع، على عدم اهتمامها بالفسيفساء السورية المتعددة الألوان والأطياف، وحتى ما سمي بمؤتمر الحوار الوطني، والإعلان الدستوري، وتشكيل الحكومة، لم يراعَ فيه تنوع اللغات والأديان والطوائف السورية، وبالتالي يبدو أن السلطات في دمشق، لا تسعى لإشراك السوريين في تقرير مصيرهم، وهذا ما يترك إشارات استفهام كثيرة حول نيتهم في استغلال الفرصة والاستئثار بالسلطة لأكبر مدة ممكنة.
رفض شعبي للقرارات الصادرة
ما يجري في سوريا، يرفضه السوريون جملة وتفصيلاً، لأن تجاربهم مع النظام البعثي وآل الأسد، كانت كارثية نتيجة حكم الفرد المطلق، وأيضاً السوريون ليسوا بوارد الخضوع لأي نظام حكم فردي جديد، خاصةً أنهم ضحوا بمئات الألاف من الضحايا، في سبيل تغيير نظام الحكم البائد، لا ليستبدلوه بحكم أكثر صرامة، لذا، من الصعب قبول ما يقوم به رئيس السلطة في دمشق أحمد الشرع، من فرض سياسات رفضها الشعب السوري، على مدار 14 عاماَ، وعلى الحكام الجدد، إدراك أن السوريين، لن يقبلوا بنظام لا يختلف عن سابقه، يحكمهم لعقود جديدة من الزمن، وهم يعلمون أن الشعب السوري، يطالب بالحوار بين السوريين كلهم، دون تهميش أو إقصاء، في كتابة دستور جديد للبلاد، ومشاركتهم الحقيقية في بناء مستقبل واعد يراعي متطلبات السوريين كافة.
السوريون، لا يطلبون المستحيل، ولكنهم يريدون المواطنة الحقيقية، وهذا ما يجب العمل عليه وتحقيقه، والمواطنة الحقيقية تعني الديمقراطية وتأمين الخدمات والعيش الكريم، وإن أرادت سلطات دمشق، تطبيق أقوالها على الأفعال، عليها التقرب من مطالب الشعب السوري، بجدية وتحقيقها قدر الإمكان، وما لم تراعِ الحكومة الحالية، هذه الجوانب لن تستطيع الصمود والبقاء في السلطة، مهما مارست من ضغوطات، وارتكبت من جرائم، لأن ما يحتاجه السوريون هو لغة السلام والديمقراطية، وهي التي ستنقذ أي سلطة من الانهيار، وعلى سلطات دمشق اليوم، أن تستفيد من التجارب السابقة، وأن تتخذ الحوار السوري ـ السوري، معادلة لإنهاء كل ما يعيق الحلول في سوريا.
الوقوف أمام الأطماع التركية
إن بناء سوريا الجديدة، يتطلب إنهاء الصراع العسكري والطائفي، الذي يعمل عليه البعض لإبقاء المعضلة السورية دون حل، كي يتحكموا بمصير السوريين الذين أنهكتهم الحروب، وهناك العديد من الجوانب التي يجب العمل عليها، وعلى رأسها إنهاء الخطاب التحريضي والطائفي، خاصة، أن تركيا تحاول دائماً الصيد في المياه العكرة، وتحاول استغلال سقوط النظام السابق، لتحقيق كل ما تصبو إليه، وعلى الشعب السوري أن يسقط الأطماع التركية، كما على الدول العربية العمل على سحب البساط من تحت تركيا، من خلال تقديم أشكال الدعم للشعب السوري، على اعتبار أن سوريا دولة عربية على الأقل، وألاّ تضع مفاتيح الحلول في سوريا بيد تركيا، وعليهم أن يدركوا أن تركيا لها أطماع توسعية في سوريا والعراق، وغيرها من الدول العربية.
سوريا تمر بمرحلة صعبة للغاية، وبعد مشاهد الفرح والسرور التي اجتاحت نفوس السوريين في بداية سقوط النظام البعثي، إلا أن اليأس بدأ يتسلل من جديد لنفوسهم، نتيجة أعمال العنف وخاصة في مناطق الساحل السوري، وإن شئنا أم أبينا فإن الحكومة الجديدة تتحمل المسؤولية عن كل ما يحدث، حتى لو تبرأت من تلك الجرائم التي ارتكبت بحق المدنيين العزل، وضمن هذا المناخ المشحون، يجب الدخول في الحلول السياسية السلمية، ونبذ الأعمال التي تستهدف أطياف سورية معينة، على أن يتبعها إجماع السوريين على كلمة واحدة، تنهي حالات الإقصاء، وتؤدي لإيقاف حالات العنف والتصرفات غير اللائقة، التي تضر بما هو قادم لسوريا.
وفحوى القول، إن بناء سوريا الحديثة، يتطلب إجماعاً سوريا شاملاً، على كيفية إدارة الأمور والتخلص من تركة النظام السابق، والوقوف أمام ما تقوم به السلطات الحالية، وعدم الرضوخ للقرارات التي تصدر عنها بين الحين والآخر، والآن والأمور في بدايتها، والقوى السياسية السورية تدرك أهمية الوقت، فعليها أن تستغله قبل فوات الأوان، فكلما تأخرت الحلول وتحكمت السلطات الحالية بزمام الأمور، دون حسيب أو رقيب، ستتعقد الأوضاع وتتأزم بشكل أكبر، ما قد تكون سبباً في تفكك سوريا وتحويلها لدويلات، ولتجنب ذلك، يجب إشراك السوريين في مستقبل بلادهم، وبهذا فقط يمكننا بناء دولة ديمقراطية تضمن حقوق السوريين كافة.