قامشلو/ دعاء يوسف ـ “لا سلام بلا ضمير، ولا عدالة بلا مسؤولية مشتركة، ولا إنسانية بلا تضامن، فبهذه المبادئ تسمو الأمم، وتُشيّد معالم عالم أشمل في إنسانيته”؛ بهذه الكلمات أحيت الأمم المتحدة اليوم الدولي للضمير، الذي كان غائباً عن الأحداث والأزمات والصراعات العالمية في السنوات الماضية، فهل يمكن أن يستيقظ الضمير في يومه الدولي؟
نعيش أزمة انعدام الضمير الإنساني في العالم، والتي بدأت تصبح ظاهرة تزداد خطورة مع الأيام، ويعد السبب الرئيسي فيها، عدم الإدراك بأهمية الضمير ومحاسبة النفس ومراعاة الأخلاق في اتخاذ القرارات الدولية، التي تبقي الضمير الإنساني حياً، لأنه يعد المعيار الحقيقي للتمييز بين الخير والشر.
وقد خصصت الأمم المتحدة الخامس من نيسان يوماً دولياً للضمير بوصفه نبراساً للتذكير بالدور الجوهري للضمير في دفع النفوس إلى دروب السلم والصفح والاحترام المتبادل
.عندما يموت الضمير يحل الدمار
وأن كل ما يشهده العالم من حروب وجرائم ألفتها الإنسانية لتكرارها على مرآهم ومسمعهم، يعد سببها الأساسي الطمع وغياب الإنسانية، ودليل على أن حقوق الإنسان مجرد حبر على ورق.
فشهدت العديد من الدول انتهاكات جسيمة بحق البشرية، وتنتهك فيها المبادئ والأخلاق الإنسانية، ففي فلسطين سيدة المشهد لاقى أكثر من 58 ألف شخص حتفهم وغالبيتهم من النساء والأطفال، إذ معظمهم قتلوا تحت أنقاض منازلهم، التي دمرت عمداً فوق رؤوسهم، وأصيب أكثر من 120 ألف شخص، وسجل ما لا يقل عن 39 ألف طفل يتيم إلى جانب استهداف المدارس والمشافي وسبل الحياة؛ ما يجعل هذه الجرائم من أوسع حملات الهلاك الجماعي الممنهج.
أما في لبنان التي تعرضت للعديد من عمليات القصف على منازل المدنيين ايضاً عانت من صمت دولي قاتل لما يجري، إذ أعلنت وزارة الصحة اللبنانية عن مقتل 3768 شخصاً، وجرح 15 ألفاً و699 آخرين منذ الثامن من تشرين الأول 2023، وفي السودان أجبر النزاع نحو 11.3 مليون شخص على النزوح، بينهم قرابة ثلاثة ملايين فروا إلى خارج السودان، بحسب مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، التي وصفت الوضع الإنساني بأنه “كارثة”، كما يعاني 26 مليون شخص من انعدام حاد في الأمن الغذائي، بينما أُعلِنت المجاعة في مخيم زمزم بإقليم دارفور.
ولا يختلف الوضع في إيران التي سجلت منذ آذار 2024-2025 رقمًا قياسيًا مروعًا في الإعدامات، حيث نفذ النظام الإيراني 1153 عملية إعدام في 94 سجنًا، بزيادة بلغت 42% مقارنة بالعام السابق الذي شهد 815 حالة. لكن؛ كثرة هذه الإعدامات لا تتوقف عند الأرقام، بل تمتد إلى استهداف الفئات الأضعف في المجتمع، فقد شملت الضحايا 38 امرأة وسبعة قاصرين، كما نفذت سبع عمليات شنق علنية في مدن مثل همدان، أسفراين، خمين، تايباد، شاهرود وأصفهان، لكن العدد الحقيقي قد يكون أعلى بكثير، نظرًا للإعدامات السرية في السجون النائية.
والمشهد في أفغانستان لا يختلف عن إيران، فقد عادت الإعدامات الميدانية والعلنية إلى الساحة مع عودة طالبان إلى الحكم، فلم يكن الضمير غائباً فقط في مناطق النزاع بل غاب عن الحقوق الإنسانية في الدول كافة.
الشاهد الغائب في سوريا
وأما سوريا، فقد شهدت على زمن الرئيس المخلوع بشارع الأسد العديد من الجرائم، فحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان فإن الضحايا المدنيين منذ انطلاق الثورة السورية في 15 آذار عام 2011 هم 199068 مواطناً، موزعين 156605 ذكور، و16181 امرأة، و26282 طفلاً.
ولم تتوقف دائرة القتل في سوريا بل دخلت مرحلة جديدة من الحرب الطائفية المغذية للتعصب العرقي والديني، مع الحكم الجديد، هذا وقد شهد الساحل السوري أكثر من 47 مجزرة، ووثق فيها استشهاد 1043 مواطناً من محافظتي اللاذقية وطرطوس، نتيجة عمليات التصفية، من ضمنهم مواطنين من طوائف غير العلوية، بالإضافة إلى شهداء من حماة وحمص، وبلغ عدد القتلى الإجمالي 1225 شخصاً.
وأرغمت أعمال العنف هذه، وهي الأسوأ منذ إطاحة الأسد في كانون الأول، أكثر من 21 ألف شخص على الفرار نحو لبنان المجاور، حسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومع كل هذا لم تتخذ أي إجراءات على أرض الواقع لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم.
وفي إقليم شمال وشرق سوريا تعرضت المنطقة لقصف ممنهج على البنية التحتية والمراكز الخدمية بالإضافة إلى سلخ العديد من الأجزاء السورية من تركيا بحجة صنع مناطق حدودية أمنة.
ومع كل ما جرى في سوريا من تدخلات خارجية وحروب داخلية، لم يتدخل الضمير الإنساني الشاهد الغائب على هذه الجرائم، بل فضل التطرق إلى المصالح الشخصية في المنطقة، وغض الطرف عن الأفعال التي اندرجت تحت مسميات عديدة منها ” في كل ثورة خسائر”، “الحرب لا تميز المدنيين”.
هل يحتاج الضمير إلى يوم دولي ليستيقظ
ويصادف الخامس من نيسان اليوم الدولي للضمير، ويعود اعتماده ضمن الأيام الدولية إلى سنة 2019، أي أنه ليس عريقاً ويندرج ضمن دعوة الجمعية العامة الدول الأعضاء ومؤسسات منظومة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية، إذ يمكننا القول، إن الدول الأممية لاحظت تصاعد أعمال العنف في 2019 واستنتجت أن مسألة الضمير تقف حجر عثرة أمام تحقيق السلام والتنمية المستدامة.