دولة الاحتلال التركي… عدوة الشعوب والتاريخ والتراث الإنساني

في أقصى الزاوية الشمالية الغربية من سوريا تقع مقاطعة عفرين، يحدها من ناحية الغرب لواء إسكندرون والنهر الأسود، ومن الشمال خط سكة القطار في ميدان أكبس، أما من الشرق فسهل إعزاز ومن ناحية الجنوب جبل سمعان، وهي منطقة جبلية بمعدل الارتفاع 700- 1269م وأعلى قمة فيها gire mezin، ويبلغ طول مقاطعة عفرين 75كم والعرض 55كم وتساوي مساحتها 3850كم2.

منذ سنة 2013 لم تتوقف الاعتداءات التركية على القرى الحدودية في عفرين وكذلك حصارها، حيث قصف تلك القرى بالمدافع والرصاص العشوائي وكانت النتيجة استشهاد عدد من أهالي تلك القرى وإصابة البعض الآخر. وقام باحتلال بعض المسافات وتجاوز الحدود نحو أراضي مقاطعة عفرين، واستمر طيلة هذه الفترة بتحشيد آلياته العسكرية المتطورة على الحدود. وبعد تصريحات أردوغان التي هدد فيها بالهجوم على عفرين حشد حوالي 25000 من مرتزقته من عدة فصائل ووحدات من جيشه واستخباراته على طول حدود عفرين وباكور كردستان، وفي المقابل كان أهالي عفرين يظهرون مقاومتهم واستنكارهم لتلك التهديدات وقيام بمظاهرات في 18 كانون الثاني من العام الماضي شارك فيها أكثر من 80 ألف من أطفال، نساء، مسنين ورجال عفرين.

ارتكاب مجازر من قِبل الطيران التركي

بدأ الهجوم التركي على عفرين بعد تصريح أردوغان بإطلاق حملة تحت ما يسمى عملية “غصن الزيتون” وذلك في 20 كانون الثاني من العام الماضي وبمشاركة 72 طائرة قصفت جغرافية عفرين الصغيرة. وارتكبت مجازر بحق الاهالي، فارتكبت طائراته الحربية مجزرة بحق أهالي قرية جلبره في ناحية شيراوا راح ضحيتها تسعة شهداء و12 جريح. وارتكبت مجزرة في مركز ناحية موباتا راح ضحيتها سبعة شهداء جميعهم من عائلة واحدة بتاريخ 26-1-2018. وشهدت قرية كوبله في ناحية شيراوا غارات مكثفة استشهد على إثرها 18 مدني وسبعة جرحى، وجرح أربعة آخرين من عائلة واحدة وكما تسببت بأضرار جسيمة في ممتلكات الأهالي. ومجزرة أخرى ارتكبت في قرية شكاتا في ناحية شيه استشهد على إثرها خمسة شهداء مدنيين.

واستشهد خمسة مدنيين من أبناء قرية يلانقوز الملاصقة لمركز ناحية جندريسه نتيجة غارات نفذتها طائرات جيش الاحتلال التركي في ساعات الفجر من تاريخ 26-2-2018. تلتها مجزرة أخرى ارتكبها طيران الاحتلال التركي بحق 13 مدني في مركز مدينة جندريسه. وباستهدف جيش الاحتلال التركي مركز مدينة عفرين استشهد خلالها سبعة مدنيين بينهم أربعة أطفال و17 جريحاً. وفي مركز المدينة استشهد 20 مدني في حي محمودية.

كما واستهدف طيران جيش الاحتلال التركي مشفى آفرين بتاريخ 16-3-2018 واستشهد أكثر من 16 مدنيين بينهم أطفال فيه كانوا يتلقون العلاج، ووصل عدد شهداء المدنيين 257 وجرح 742، فقد استشهد 45 طفل وأصيب 113، واستشهدت 36 من النساءٌ وجرحت 113، أما الرجال فقد استشهد  176 وجرح 516.

وتشير الطبيبة دلكش كركوكي إلى المجازر بقولها: “إنها كارثة، كارثة حقيقية ما حصل في عفرين، الجيش التركي يستهدف المدنيين وجاء إلينا العشرات من شهداء وجرحى المدنيين ولم يكن يوجد أي عسكري فكيف تفسر هذه؟!!”.وتتحدث المواطنة خديجة محمد التي فقدت شقيقها تحت القصف: “كنا سبعة أشخاص وتوجهنا إلى إحدى الأقبية، ومن ثم بقينا لمدة يومين في منزل شقيقي حتى سقطت قذيفة على المنزل واستشهد شقيقي نتيجتها وخرجنا من المنزل”.

منهجية في تدمير المرافق العامة

لم يبقَ مكان في عفرين إلا وتعرض للقصف، فقد استهدف جيش الاحتلال التركي ومرتزقته المرافق العامة في عفرين بهدف تضييق الخناق على الأهالي الأمر الذي قابله الأهالي بالمقاومة وعزيمة أكبر. فقد تعرّض  مركزي الهلال الأحمر الكردي في مركز منطقتي جندريسه وراجو للقصف وخرجا عن الخدمة، واستهداف جامع صلاح الدين الأيوبي في مركز منطقة جندريسه، وهو أحد أقدم الجوامع في مقاطعة عفرين وكان يضم أقساماً عدة للعبادة وقراءة القرآن، واستهداف جامع بلدة جلمة التابعة لمنطقة جندريسه وهو من الجوامع القديمة.

حتى تاريخ الأول من شباط نَفَق أكثر من 30 ألف رأس من المواشي في عفرين وما يقارب ثمانية آلاف هكتار من مساحة الأراضي الزراعية تعرضت للضرر نتيجة القصف وتدمرت أيضاً خمس مداجن في مقاطعة عفرين، كما قامت المدفعية التركية بقصف مزار شهيد سيدو في بلدة كفر صفرة بقذائف المدفعية.

قصف مصادر المياه ومراكز التعليم

استهدف المرتزقة مصادر المياه مثل سد ميدانكي الذي كان  يزود أهالي عفرين بمياه الشرب، ومضخة المياه الصالحة للشرب في قرية متينا التابعة لناحية شرا، وينبوع بلدة جلمة، ومضخة المياه في بلدة كفر صفرة في منطقة جندريسه، كما واستهدفوا القطاع التعليمي حيث دُمرت 68 مدرسة من أصل 318 مدرسة واستشهد وأصيب العشرات من الطلبة. 

تدمير الآثار ونهبها في إطار إبادة وطمس هوية عفرين التاريخية

واستهدف جيش الاحتلال التركي ومرتزقته موقع تل عين دارا الأثري بتاريخ 28-1-2018 على بعد 1كم غربي قرية عين دارا، ويتكون الموقع من آثار ومعبد يضم تماثيل مختلفة تمثل حيوانات مجنحة وتماثيل لأبو الهول ونقوشاً وآثاراً كثيرة وبحسب المؤرخين بأنه عُثر في الموقع على لوحة بازلتية تمثل الآلهة عشتار، ويعود تاريخ هذا الموقع إلى حوالي 10 آلاف عام، وتبين من خلال هذا القصف أن الاحتلال استهدف تاريخ وحضارة المنطقة بهدف طمسها وإنكارها. كما ان الإبادة الثقافية التي انتهجها جيش الاحتلال التركي ومرتزقته أثناء الهجمات توجهت هذه المرة نحو مدرج نبي هوري التاريخي وتم تدميره  بشكل كامل ولم تترك حجراً فوق حجر في سعي منهم لطمس تاريخ المنطقة.

كما استهدف العدو الكنائس والمزارات والمساجد دون استثناء محدثين دماراً ممنهجاً في عفرين. ليصل عدد المواقع الأثرية التي دمرتها تركيا إلى ثلاثة مواقع مدرجة على لائحة منظمة يونسكو إلى جانب مزارات للمجتمع الإيزيدي وآخر للطائفة العلوية إلى جانب كنائس قديمة للمسيحيين ومزارات ومساجد قديمة للمسلمين في عفرين وريفها.

مقاومة شعبية ضد الاحتلال لا مثيل لها في المنطقة

لم تُرِهب أهالي عفرين أسلحة العدو الثقيلة والمتطورة، بل أبدوا مقاومة كبيرة في وجهه محولين الحرب إلى حرب شعبية ثورية ضد الاحتلال، فالكثير من الأهالي لم يخرجوا من قراهم حتى بعد احتلال المرتزقة للقرية، منهم من وضع حياته في خطر لأجل إيصال العتاد والطعام والشراب لمقاتلي وحدات حماية الشعب والمرأة، فقد كانت مقاومة الأهالي متوازية مع القوات العسكرية.

ومع إعلان النفير العام واشتداد الهجمات ومن أجل إبداء موقف ضد الهجمات التركية توافد مئات الآلاف من أهالي الشمال السوري ومن باشور كردستان، بالإضافة  إلى المنظمات السياسية والاجتماعية والدينية في باشور كردستان، إلى مقاطعة عفرين وذلك لمساندة القوات العسكرية والأهالي في حماية المقاطعة، وقد توجهوا نحو مركز منطقة جندريسه بالرغم من تعرضها للقصف وتظاهروا فيها ليعلنوا استنكارهم للهجمات الاحتلالية والصمت الدولي حيال تلك الهجمات.

رموز من مقاومة العصر في الحرب الشعبية ضد الاحتلال

ترسانة العدو التي أحضرها لأجل احتلال عفرين جُوبِهت بمقاومة تاريخية وكبيرة من قِبل مقاتلي وحدات حماية الشعب والمرأة الذين وقفوا أمام الطائرات والدبابات بأسلحتهم الخفيفة.

في الكثير من التلال التي درات فيها الاشتباكات لجأ فيها العدو إلى استخدام العشرات من الطائرات لأجل تدمير طبيعة تلك التلال ليتمكن من احتلال نقاط مثل تلة قسطل جندو، شيخ خورزه، حمام وكفري كر.

أمثلة نادرة للبطولة والفداء

توجهت المقاتلة في وحدات مكافحة الإرهاب أفيستا خابور نحو دبابات العدو وقامت بعملية فدائية بينهم وتمكنت من إعطاب دبابة وقتل من فيها وذلك في قرية حمام التابعة لمنطقة جندريسه. ولم تخرج المقاتلة بارين كوباني من نقطتها في قرية قورنه التابعة لناحية بلبله وقاتلت العدو حتى الرصاصة الأخيرة لتستشهد وتعطي دفعة معنوية كبيرة في ميدان المقاومة. كما تمكن المقاتل إيلان كوباني من إخراج 22 من رفاقه من الحصار الذي قام به  المرتزقة في مركز منطقة جندريسه عندما قام المقاتل إيلان بعملية فدائية ضمن صفوف العدو وقتل عدداً منهم. وكذلك القيادي في وحدات حماية الشعب كاركر إيريش أبى أن يخرج من عفرين وقاوم بسلاحه تكنولوجية العدو المتطورة، واستشهد في 18 آذار بعد استهدافه من قبل الطيران

بعض ملامح المقاومة في مراحلها الأولى

الناطق الرسمي لوحدات حماية الشعب بروسك حسكة سرد لنا بعضاً من تفاصيل المرحلة الأولى في مقاومة العصر ضد الاحتلال التركي ومرتزقته؛ قائلاً: “كانت عفرين موقعاً استراتيجياً من حيث تحكمها بالمناطق المحاطة بها ما جعلها موقعاً متميزاً، ووجود وحدات حماية الشعب والمرأة في عفرين وكسرها لجميع هجمات المرتزقة أزعج النظام التركي خلال السنوات الأربع الفائتة، كما أن تحرير جيش الثوار وجبهة الأكراد لبعض الأجزاء في مقاطعة الشهباء جعلت تركيا تفقد ثقتها بمرتزقتها، فسعت لاحتلال عفرين من خلال اتفاقات دبلوماسية وعسكرية مع الحكومة السورية، إيران وروسيا ولكن الهجمات الحاصلة على عفرين دائماً ما باءت بالفشل، حتى اتفقت تركيا وروسيا على مقايضة مقاطعة عفرين بمناطق أخرى في سوريا، فقد أرادت تركيا ربط الخط الواصل بين إعزاز، مارع وقباسين من جهة وإدلب، حماة واللاذقية من جهة أخرى”.

وأشار بروسك حسكة إلى فشل العدو في تحقيق أهدافه خلال الشهر الأول من المعارك: “استعداداتنا للهجمات الاحتلالية تبين خلال الشهر الأول من مقاومة العصر، حاول جيش التركي ومرتزقته بكافة الطرق واستخدام تقنياته العسكرية المتطورة في كسر خطوط الدفاع الأولى لقواتنا لعسكرية إلا أنه لم يتمكن من ذلك وبقيت وحدات حماية الشعب والمرأة تتخذ مواقعها في الخطوط الأولى حتى الشهادة، وقد حللت الدولة التركية سبب فشلها في التقدم خلال الشهر الأول وعليه غيرت تكتيكاتها العسكرية فقد كان التكتيك في البداية هو زج المرتزقة في الأمام وحمايتهم بتكنولوجيتها، وكان هدف تركيا من خلال هذا التكتيك بث فتنة بين الشعب الكردي والشعب العربي في سوريا وهذا ما يظهر الآن في منبج أيضاً بهدف تفكيك مكونات المجتمع عن طريق مرتزقتها، ونحن نعرف أن الجنود الترك لم يهاجموا برياً بل كانوا جلهم من المرتزقة أي كانوا من مكونات سوريا مثل العرب والكرد، وإن لم تغير الدولة التركية من تكتيكاتها فقد كان مضموناً كسر الدولة التركية ومرتزقتها في عفرين، وعليه وضعت كل ثقلها على أسلحتها فقد كانت الخطوة الأولى من الهجوم هي الطائرات والدبابات التي استقدمتها من أسلحة الناتو والخطوة الثانية كانت هجوم المرتزقة”.

ملاحم بطولية سيخلدها التاريخ

وتطرق بروسك حسكة لمقاومة المقاتلين في خنادق القتال قائلاً: “ففي كل قرية نستطيع كتابة ملحمة عنها مثل قرية حمام في جندريسه أراد جيش التركي ومرتزقته لأيام كثيرة في احتلالها ولكن كل مرة كانت تجابه بمقاومة المقاتلين وفي النهاية استخدموا السلاح الكيماوي في هجومهم، تلة شيخ خورزه قاومت لمدة أكثر من شهر فتلك التلة كان الجيش التركي يحتلها وفي الساعة الأخرى يتم تحريرها، وفي راجو تلة “كفري كر” أيضاً وفي شيه وتلة قسطل جندو، انظروا إلى تلة قسطل جندو استخدم فيها جيش التركي ومرتزقته كافة أنواع الأسلحة فقد أصبحت مسألة الشرف بالنسبة لأردوغان ومرتزقته ففي يوم واحد قامت 24 طائرة حربية بقصف التلة وتدمير طبيعتها وجغرافيتها”.

ويضيف بروسك حسكة في نهاية حديثه: “كانت حرباً غير حقوقية وغير أخلاقية فلم تتقيد بأخلاقيات الحرب وليس اليوم فقط؛ بل منذ التاريخ وهي تقوم بذلك، مثل الإبادة العرقية على الأهالي ولكن للأسف جميع الجهات التي تدعي أنها تحمي حقوق الإنسان، وحماية البيئة، وحقوق الأطفال بقيت صامتة حيال هذه الهجمات وهذا يبين حصول الدولة التركية على الضوء الأخضر في هجومها وفعل ما يحلو لها، وصمتوا عن قتل المدنيين وتدمير الآثار وكل ذلك لحماية مصالحهم، ضمن الأزمة السورية والحرب على عفرين تبين هذا”.

---

وكالة هاوار