روناهي/ تل حميس – يُمثّل العيد في ريف تل حميس أكثر من مجرد مناسبة دينية؛ إنه احتفال اجتماعي وثقافي يعكس أصالة العادات وكرم أهل المنطقة. تتجلى في هذه الأيام المباركة أبهى صور التلاحم الاجتماعي، حيث تُفتح البيوت التاريخية والعريقة لاستقبال الزوار من كل مكان، بلا دعوة مسبقة، في أجواءٍ مفعمة بالفرح والمحبة.
تُعدُّ المنازل التاريخية في ريف تل حميس رمزاً للكرم والضيافة، حيث يجتمع الناس فيها خلال العيد في تقليد متوارث يعبر عن عمق الروابط الاجتماعية، وتُفرض على هذه البيوت عادة مميزة، تبدأ بتحضيرات العيد في ساعات الفجر الأولى، إذ يتم ذبح الذبائح وطهي الطعام لتقديمه للزوار.
كرم أهالي قرى تل حميس
ولمعرفة المزيد عن هذه العادات؛ قامت صحيفتنا “روناهي ” بزيارة قرية “الفرحانية ” والتقت بابن هذه القرية والذي كلف بهذه الفعالية الاجتماعية “يوسف الباشا” ففي منزله تكون الدعوة عامة للجميع ليس فقط للمعايدة بل لوجبة طعام جماعية وقال عن هذا الطقس: “تبدأ احتفالات العيد في منازلنا بقراءة القرآن الكريم وخطبة العيد، ثم تُقام صلاة العيد بحضور العديد من أهالي المنطقة، وبعد الصلاة، تُقدَّم وجبة طعام جماعية تُجهز من الذبائح التي تم تحضيرها خصيصًا لهذه المناسبة، في مشهد يعكس الكرم العربي الأصيل”.
ما يميز هذه المنازل أن الدعوة مفتوحة للجميع، دون الحاجة إلى دعوات شخصية. كل من يرغب في زيارة هذه المنازل يجد الترحيب والضيافة، حيث يتوافد الناس من مختلف القبائل والمناطق المجاورة. إنها دعوة عامة تعكس روح العيد كفرصةٍ لتوحيد الصفوف وتعزيز العلاقات بين أفراد المجتمع.
الأجواء المميزة للعيد
وتابع الباشا: “بعد تقديم وجبة الطعام، تتحول هذه المنازل إلى مراكز للجلسات الاجتماعية الممتعة. يجتمع الكبار والشباب لشرب الشاي والقهوة في أجواءٍ مميزة، حيث تُروى الحكايات والقصص القديمة التي تحمل عبق الماضي وذكريات الأجداد، فهذه الجلسات لا تقتصر على التسلية، بل تعزز الروابط الاجتماعية وتعكس روح التآخي بين أهل المنطقة”.
يتميز هذا المنزل باستقبال حشود كبيرة من الناس الذين يأتون للاستمتاع بأجواء العيد، ليس فقط لتناول الطعام، بل أيضًا للمشاركة في الأحاديث والقصص التي تُضفي على العيد طابعًا خاصًا، لا يقتصر إحياء هذه التقاليد على منزل “يوسف الباشا ” بل تمتد إلى الكثير من المنازل التي يفرض عليها واقعها الاجتماعي أن تكون فاتحة أبوابها لاستقبال الجميع؛ أنها عادة من الزمن الجميل احتفظت بها مجموعة من المنازل وحافظت عليها.
وأضاف الباشا: “العيد في ريف تل حميس ليس مجرد طقس ديني، بل هو حدث اجتماعي وثقافي يُبرز القيم الإنسانية العميقة. من قراءة القرآن وأداء الصلاة إلى تقديم الطعام واستضافة الزوار، تُظهر هذه الاحتفالات روح التعاون والتكاتف التي تُعدُّ جزءًا لا يتجزأ من هوية المنطقة”.
تُعتبر هذه التقاليد فرصة فريدة تجمع بين أبناء القبائل المختلفة، حيث تُعمق روح المحبة والتآزر بين الجميع. تقديم السكاكر والحلويات بكميات كبيرة، إلى جانب الذبائح والولائم، يجعل من هذه البيوت مراكز جذب لكل من يرغب في مشاركة أجواء العيد المميزة.
ففي النهاية نجد بأن استمرار هذه العادات المتوارثة في المنازل التاريخية، مثل “منزل يوسف الباشا” وغيره، يعكس تمسك أهالي ريف تل حميس بجذورهم وهويتهم الثقافية.
فالعيد هنا ليس مجرد مناسبة عابرة، بل هو إرث حيّ يُنقل من جيل إلى آخر، يحمل في طياته قيم الكرم والعطاء والتلاحم. بهذه الروح، تبقى هذه التقاليد جزءًا من ذاكرة المنطقة، تعكس أصالة الماضي وتُشكّل أساسًا لمستقبل مشرق مليء بالتآخي والمحبة.