فاتن أزدحمد
في ظل التكثيف المستمر للنزاع في سوريا وما شهدته البلاد من مجازر وحروب مدمرة في السنوات الماضية، تواصل بعض المجموعات المتطرفة استخدام الدين الإسلامي كغطاء لتبرير ممارساتها الوحشية.
وقد انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة العنف تحت اسم “الجهاد” أو “القتال في سبيل الله”؛ ما أسفر عن مئات الآلاف من الشهداء والضحايا الأبرياء من المدنيين. هؤلاء الذين يرفعون راية الإسلام في مجازرهم يزعمون أنهم يعملون بناءً على تعاليم الدين الإسلامي وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ولكن، هل يمكن اعتبار هذه الأعمال تمثيلًا حقيقيًا للإسلام؟ وهل هي من تعاليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم وسنته؟
الإجابة واضحة: لا وألف لا.
العنف الممارس في سوريا
ومنذ بداية الصراع السوري عام 2011، شهدت سوريا موجات من العنف والدمار، شهدت خلالها العديد من المجازر التي كانت تبرر بأنها “دفاع عن الإسلام” و”الجهاد في سبيل الله”. لكن هذه الأعمال تتناقض بشكل صارخ مع تعاليم القرآن الكريم، وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي السنوات الأخيرة، خاصة في عام 2025، استمرت بعض المجموعات المتطرفة في ارتكاب الجرائم الوحشية ضد المدنيين في سوريا، على سبيل المثال، الهجمات المسلحة التي تستهدف المستشفيات والمدارس، وقصف الأحياء السكنية، التي يسكنها الأبرياء، واستخدام الأسلحة المحرمة دوليًا مثل الأسلحة الكيميائية، إضافة إلى عمليات الاختطاف والتعذيب. هذه الجرائم تم تبريرها باستخدام عبارات دينية زائفة مثل “القتال في سبيل الله”، أو “الجهاد”.
هل هذه الأفعال تمثل الدين الإسلامي؟
إن الإجابة على هذا السؤال يجب أن تكون صريحة وواضحة: فالإسلام هو دين الرحمة والسلام، ودعوته إلى العدل والمساواة بين البشر تتضح من خلال آيات القرآن الكريم، وأحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم. العنف الذي يُرتكب باسم الإسلام ليس إلا تحريفًا لتعاليمه السامية، ويعكس أيديولوجيات سياسية بعيدة تمامًا عن جوهر الإسلام.
وقد وردت في القرآن الكريم الآيات العديدة، التي تحث على السلم والرحمة وتحرم الاعتداء على الأبرياء، على سبيل المثال، يقول الله تعالى في سورة المائدة: “مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا”.
هذه الآية تؤكد أن قتل نفس بريئة دون مبرر هو جريمة عظيمة، ولا يمكن تبريرها تحت أي ظرف من الظروف.
إضافة إلى ذلك، قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ” لا تغُلُّوا ولا تغدِروا ولا تُمثِّلوا ولا تقتُلوا وليدًا ولا امرأةً ولا شيخًا” (صحيح مسلم).
وهذا الحديث يوضح أن الإسلام يحرم قتل المدنيين، النساء، الأطفال والشيوخ، ناهيك عن أي ممارسة تمثل انتهاكًا لحقوق الإنسان.
المجازر التي تحدث باسم الإسلام في سوريا
ومن بين المجازر التي وقعت في سوريا والتي تبرر باسم الإسلام، مجزرة “غوطة دمشق” التي وقعت في آب 2013 والتي أودت بحياة مئات المدنيين بسبب الهجوم بأسلحة كيميائية. كان الهجوم ذا طابع ديني بحت، حيث استخدم بعض المتطرفين من مجموعات مختلفة مصطلحات دينية لتبرير أعمالهم الوحشية.
وفي عام 2025، تواصل هذه المجموعات استهداف المدنيين، وقصف المدارس والمستشفيات، واستخدام التكتيكات الحربية التي تزعزع الاستقرار وتسبب المزيد من الضحايا الأبرياء. ما يدعو للقلق بشكل خاص هو استخدام هذه المجموعات الخطاب الديني لتبرير أعمالها المتوحشة، وهو أمر يتعارض مع تعاليم الإسلام الحقيقية. وعلى سبيل المثال، مجموعات “داعش” في سوريا قامت بتطبيق أيديولوجيات مفرطة لا علاقة لها بالدين الإسلامي، حيث استخدمت أساليب قمعية ضد الطوائف الدينية المختلفة، واستهدفت الأبرياء في مناطق متعددة من البلاد، فإن هذا العنف لا يمكن تبريره بأية طريقة من الطرق تحت راية الإسلام.
حقوق الإنسان والعنف باسم الدين
ولا تقتصر انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا على الأفراد فحسب، بل تمتد إلى تعريض المدنيين للتهديد المستمر من العنف والدمار. من خلال انتهاك الحق في الحياة، والحق في الأمن، والحق في التعليم والصحة، تم تجاهل المبادئ الأساسية، التي أكد عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي تنص مادته الأولى على: “يولد جميع الناس أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق”.
وممارسات العنف التي تُرتكب في سوريا باسم الدين تتعارض مع هذه الحقوق الأساسية، وتعرض حياة المدنيين للخطر. كما أن تبرير هذه الجرائم باسم “الجهاد” و”القتال في سبيل الله” هو تشويه واضح لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
دور المجتمع الدولي في إدانة العنف باسم الدين
ومن المهم أن يقف المجتمع الدولي بقوة ضد هذه المجموعات التي تسيء استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية. يجب على الحكومات والمنظمات الدولية تعزيز التعاون لمكافحة هذه المجموعات المتطرفة، وحماية حقوق الإنسان، وضمان تحقيق العدالة للضحايا الأبرياء في سوريا وغيرها من المناطق المتأثرة بالصراعات المسلحة. الحقوق الدينية والإنسانية يجب أن تكون الخط الأحمر الذي لا يجب تجاوزه، تبرير العنف باسم الدين يجب أن يُرفض تمامًا، ويجب أن تكون هناك جهود دولية لمحاربة هذا التفسير المغلوط للإسلام.
وفي الختام، يجب التأكيد أن العنف الذي يحدث في سوريا وبعض المناطق الأخرى تحت اسم الدين الإسلامي هو أبعد ما يكون عن الإسلام وتعاليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم. هؤلاء الذين يمارسون هذا العنف هم محرفون للدين، ويستخدمون شعارات زائفة لتحقيق أهدافهم السياسية والتطرفية. لا يمكن ربط هذا العنف بالدين الذي يدعو إلى الرحمة والتسامح، وقد حثَّ القرآن الكريم والسنة النبوية على تجنب الاعتداء والظلم.
فالمجتمع الدولي والأصوات المسؤولة من العلماء والمفكرين المسلمين يجب أن تتكاتف لكشف هذا التحريف، والعمل على نشر الفهم الصحيح للإسلام، ليظل دينًا للسلام والعدالة.