عبد الرحمن ربوع
بعد مائة عام من عمر الدولة السوريّة، ولأول مرة “عيد النوروز حراً”، والسوريون في كل ربوع سوريا أحرار في إحيائه والاجتماع فيه، والفرح به، رغم أن الأجواء مازالت غير آمنة في المدن والقرى الكردية في مناطق شمال سوريا بسبب التدخّل العسكري التركي المستمر منذ آب 2016 حتى اليوم، وكل ما يصحب ذلك من قصفٍ يومي لهذه المدن والقرى سواء من الجيش التركي أو المجموعات المرتزقة السوريّة الموالية لها، بالإضافة إلى الأحياء الكردية المحاصرة في مدينة حلب، والتهجير والتضييق المفروض على سكان مقاطعة عفرين وما فيها من مدن وقرى.
والنوروز في وجدان السوريين ليس عيداً كردياً خالصاً؛ بل هو عيد ومناسبة سنوية للعديد من المكونات المجتمعية في العديد من محافظات الجغرافيا السوريّة، وفيما يحتفل به الكرد في الطبيعة وعلى قمم الجبال والتلال مشعلين نار الحرية والكرامة؛ يحتفل به المسيحيون في الكنائس بصلوات الشكر والامتنان؛ كما يحتفل به العلويون في المقاصف والمتنزهات وشُرفات المنازل كعيدٍ للربيع والخِصب.
وقد كان فيما سبق يتوافق مع عيد الأم الذي تم إقراره منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي كيومٍ وطني بدلاً من الثالث عشر من أيار، فأصبح السوريون جميعًا يحتفلون فيه عيداً للحرية، وعيداً للشكر، وعيداً للربيع، لكن بمستويات مختلفة من الإتاحة والمنع، وبسلوكيات متناقضة فجّة من التسامح والقمع. فما كان متاحاً ومسموحاً للبعض كان ممنوعاً ومحظوراً على الكرد.
ولعل من نافلة القول إن هذا العيد لا يقتصر على الكرد والمسيحيين والعلويين في سوريا. بل هو عيد وطني وقومي لشعوب الفرس والبشتون والآذريين والطاجيكيين والأوزبكيين والمقدونيين والأمازيغ ومعظم شعوب القوقاز والبلقان، وغيرهم من شعوب وأديان في مختلف دول وسط آسيا وشرق أوروبا وأفريقيا، وله أعياد موازية في حضارات ما بين النهرين ووادي النيل، وحتى لدى شعوب أمريكا الوسطى، ويقابله على سبيل المثال عيد ثافسوث عند الأمازيغ وشم النسيم عند المصريين.
ورغم كل من يحتفل بهذا العيد من شعوب ودول، ومع تنوّع مظاهر الاحتفال به؛ إلا أنه يظل العيد الأسمى في معناه ورمزيته للشعب الكردي؛ لأنه ذكرى الحرية التي انتزعها كاوا الحداد من المستبد الضحاك قبل أكثر من أربعة آلاف من السنين، ومازالت الذكرى حاضرة في وجدان الكرد، تحيي فيه شعلة الأمل بالحياة الحرة والعيش الكريم. كما أنها حاضرة في وجدان السوريين، وكل شعوب العالم التي لطالما ناضلت في سبيل الحرية والانعتاق ضد الاستبداد والاضطهاد.
واليوم وبعد سقوط نظام الأسد وانتهاء حقبة الاستبداد البعثي الذي حكم سوريا لأكثر من نصف قرن، وشوّه الذهنية الوطنية بسرطان العنصرية، وخرّب النسيج المجتمعي بسياسات الحرمان والتهجير والترحيل والإحلال وحظرِ النوروز وملاحقة مُحْييه..
اليوم السوريون أحرار ليعيّدوا ويفرحوا ويحيوا هذه الذكرى البهيجة. بل ويرسخوها كمناسبة وطنية واجتماعية سنوية، خصوصاً وأنها تتزامن مع ذكرى الثورة السوريّة التي تكللت بانتهاء حقبة مريرة ومظلمة وقاسية من تاريخ سوريا. كما يُنتظر أن تتكلل قريباً بحقبة جديدة يأخذ فيها كل السوريين حقوقهم غير منقوصة، ويتعايشوا في ظل دولة تحميهم وتحتويهم وتخدمهم وتُكرمهم.
Newroza we pîroz be