زكي بدران
تواصل هيئة تحرير الشام ضغوطها ومجازرها بحقّ العلويين، على الرغم من الاتفاق الذي وقّعته مع ممثلي الإدارة الذاتية، وبموجب الاتفاق سيتم إعلان وقف إطلاق النار في أنحاء سوريا كافة، وكما نرى؛ فإنّ هيئة تحرير الشام تحاول تفسير الاتفاق وتنفيذه وفقاً لمصالحها، ومن غير المناسب القول إنّنا نخاطب قوات سوريا الديمقراطية فقط بهذا الاتفاق، إذ إن هناك وقف لإطلاق النار بينهم وبين قوات سوريا الديمقراطية بالفعل، ولم تندلع بينهم أي اشتباكات حتى الآن، ولم تفعل الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى، التي أرادت توقيع هذا الاتفاق واستمرار علاقاتها مع هيئة تحرير الشام، شيئاً سوى إدانة المجازر بحقّ العلويين والتحذير، وكشفت هيئة تحرير الشام عن نواياها ووجهها الحقيقي، وتبيّن أنّ مزاعمهم بـ “لقد تغيرنا، كل شخص سيحصل على حقه، لن يتعرّض أي مكون أو قومية للاضطهاد والإقصاء” لا تعكس الحقيقة. تتصرف هيئة تحرير الشام وفق مصالحها وتكسب الوقت وتبسط هيمنتها تدريجياً.
لقد أظهرت هيئة تحرير الشام في أساسها أنّها لا تملك القدرة على إحداث تغيير في توحيد سوريا وإدارتها، والمسودة الأخيرة لدستورهم تؤكّد هذا، لقد أظهروا من خلال هذا الإعلان الدستوري أنّهم يريدون إقامة نظام مركزي وأحادي ضمن أنماط طائفية ضيقة، وكان من الممكن أن يتعاملوا مع هذه العملية الانتقالية بحساسية أكبر، مع الأخذ في الاعتبار وجود الشعوب والمعتقدات المختلفة، فأنظار العالم أجمع عليهم، وهم الآن على قوائم المنظمات الإرهابية، كما أنّ عمليات الحظر والعقوبات المفروضة على سوريا مستمرة ولم يتم رفعها بعد، وعلى الرغم من تخفيف هذه العقوبات لمنح النظام الجديد فرصة، إلّا أنهم أرادوا رؤية ممارسات هيئة تحرير الشام وأفعالها، وبدلاً من التركيز على توحيد وإنعاش الاقتصاد المنهار وسوريا المنقسمة، لتهدئة الشعب قليلاً، تنظّم هيئة تحرير الشام حملات لارتكاب المجازر بحق العلويين وتحاول إجبار سوريا على مفهوم ضيق وصارم للسلطة، وتحاول تنظيم نفسها من خلال إطالة المرحلة الانتقالية باستخدام فرص الإدارة وموارد الدولة الموجودة بين يديها، فهي تحاول توسيع نفوذها وسيادتها ومن خلال ترك الشعب دون تنظيم واستبعاد المنظمات والأحزاب الأخرى.
ويتمّ في ظلّ سلطة هيئة تحرير الشام تطبيق أساليب الانقلاب بدلاً من القوانين والأساليب الثورية، فقد تمّ استبعاد جميع وجهات النظر والهياكل السياسية منذ البداية، ولم تضم هيئة تحرير الشام أحداً أو تنظيمات أخرى إلى الحكومة المؤقتة التي أنشأتها، باستثناء المقربين منها وكانت الانتخابات الرئاسية انقلاباً بالفعل، فقد اجتمعت المجموعات المسلّحة واختارت أحمد الشرع رئيساً، بالإضافة إلى ذلك، عيّنت هيئة تحرير الشام لجنة لمؤتمر الحوار الوطني، ولم تقم هذه اللجنة بدعوة أي شخص آخر إلى المؤتمر باستثناء أولئك الذين وعدوا بالانضمام إلى هيئة تحرير الشام، وحتى الذين تمّت دعوتهم كانوا بعيدين كل البُعد عن تمثيل الشعب ولم يسهموا في الوحدة الوطنية، ولم يتم إبلاغ الناس حتّى، ومن خلال عقد اجتماعها الداخلي، استولت هيئة تحرير الشام على السلطة بأكملها، وفرضت الأمر الواقع، كما تنشغل هيئة تحرير الشام بإقصاء المرأة من جميع الإنجازات والعمليات السياسية في سوريا، فنظراً لأنّ النساء يشكلنَ نصف سكان البلاد، كان من المفترض أن يكون نصف قاعة ما يسمى بمؤتمر الحوار الوطني من النساء، ولكن لم تتم دعوة سوى عدد قليل من النساء بشكلٍ شكلي، وإذا لم تشارك المرأة في الحياة الاجتماعية والسياسية بطريقة نشطة ولائقة، فإنّ كلّ هذه الهياكل تفقد شرعيتها، ولا يمكن رؤية هذا المفهوم المتطرف في هذا العصر إلّا لدى القوى الطائفية والرجعية مثل هيئة تحرير الشام. ومن الواضح أنّهم يحاولون بناء نظام أكثر تخلّفاً ورجعية من نظام البعث في سوريا، ففي عهد البعث مثلاً لم يكن هناك أي شرط في الدستور بأن يكون الرئيس مسلماً، ولم يتم فتح أي مقاعد للمواطنين السوريين من مختلف الأديان، وعلى الرغم من وجود مشكلات في التنفيذ، إلّا أنّ الدستور لم يكن منصوصًا على هذه الحدود، ووفقاً للدستور الحالي، لا يمكن للمواطنين غير المسلمين في سوريا أن يتولوا منصب رئاسة الجمهورية، وهذا نتاج وعي يتعارض مع قيم المساواة والحقوق الأساسية، ألغى الدستور مبدأ المساواة وترك بعض المعتقدات والاختلافات خارج نطاق القانون، لذلك، تبيّن أنّه لا نية لديهم لوضع دستور موحّد وشامل. فهل تنظّم هيئة تحرير الشام هذا الوعي خارج نطاق الديمقراطية؟ أم أنّ الدولة التركية تجبرهم على ارتداء هذه العباءة، هذا ما يعجز الإنسان عن فهمه أحياناً، كما نعلم فإنّ هيئة تحرير الشام تُصدر تصريحات علنية وتقول إنّ الجميع سيحصلون على حقوقهم، لكنّ هذه الحقوق ليست محددة بوضوح في الدستور، بل على العكس من ذلك، تضيع الحقوق ويتمّ اعتماد بنية احتكارية وطائفية، وتدخلت تركيا على الفور في الاتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية وهيئة تحرير الشام، فقد زار وزيرا الخارجية والدفاع التركيان ورئيس المخابرات دمشق، وتضمّن الاتفاق بنداً ينصّ على أنّ الشعب الكردي هو أحد المكونات الأصيلة في سوريا وسيتم ضمان حقوقه بشكلٍ قانوني، ومن أجل إفشال هذا الاتفاق، أعلنت تركيا عن اعتراضها، وقال هاكان فيدان في بيانه: “لن تكون هناك كيانات كالحكم الذاتي أو الفدرالية” وهدّد الكرد بتحويل أحلامهم إلى جحيم إذا حلموا بمثل ذلك، وعلى الرغم من هذه التهديدات الخطيرة، إلّا أنّه يسخر من الرأي العام ويقول: “يجب أن يحصل الكرد على حقوقهم”.
فما هي حقوق الكرد؟ هل حقهم هو السماح لهم بتعلّم لغتهم ساعة أو اثنتين في المدارس بشكلٍ اختياري، كما هو الحال في تركيا؟ وكان أردوغان يقول بالفعل: “ليست هناك قضية كردية في تركيا، لقد قمنا بحلّها”، فهل تفهم هيئة تحرير الشام الحقوق بالطريقة نفسها؟ وكما هو واضح، فإن الكلمات الفارغة مثل الحقوق لا تشير إلى طبيعة الحقوق، وينبغي أن تكون هذه الحقوق محددة بشكلٍ رسمي وواضح في الدساتير، أمام سوريا طريق طويل لتقطعه، وعلى الشعب الكردي وجميع المكونات التي تعيش في سوريا والتي تريد الديمقراطية أن يعزّزوا نضالهم من خلال بناء جبهة ديمقراطية قوية.