بناز عثمان
في الحادي والعشرين من آذار، تُعلنُ الأرضُ انبعاثَها من تحت الثلوج، وتُطلُّ زهرةُ النرجس كأولِ رسلِ الربيع، أنه نوروز الاشتعال والحياة معاً في رمزية انقلابية، ليس على قوانين الطبيعة وصقيع الشتاء، وإنما رد على قيود الذهنية المتحجرة.
نوروز، ليس مجرد احتفالٍ بتجدُّد الطبيعة، بل ذاكرةُ مقاومةٍ تُخلِّدُ انتصارَ “كاوا الحداد” على الطاغية “ضحّاك” الذي حَبسَ الربيعَ في قفصِ الاستبداد.
واليوم تعودُ الأسطورةُ حيةً في روج آفا، وتُضاءُ الشموعُ على قبورِ الشهيداتِ، اللواتي صرْنَ جزءًا من أسطورةٍ جديدة، وتتوهج النيرانُ على قمم الجبال والتلال معلنة عن غد أجمل وعن أسطورة متجددة تقدس الحياة الحرة وأنوثة الحياة والطبيعة.
ففي ثقافةِ الشعبِ الكردي، وفي أسطورة نوروز المرأةُ ليست مجردَ رمزٍ للخصوبةِ والاستمرارية، بل هي حارسةُ النارِ الأولى، واليوم وفي روج آفا، تُعيدُ المرأةُ كتابةَ الأسطورة الأمُّ التي تزرعُ القمحَ وتصنع الرغيف، المرأة المقاتلةُ التي حوَّلتْ ساحةَ المعركةِ إلى ساحةِ ولادةٍ جديدةٍ، والتي مازالت مصممة أن ترفع صوتَ الحياة فوق صوت الحرب، ويستمر شعارُ “المرأة حياة” إعادةَ تعريفٍ للوجود، حياةٌ لا تُختزلُ في البقاء، بل في القُدرةِ على الخَلقِ والمُشاركة والاستمرار قدماً نحو الحرية.
واليوم، تُشكِّلُ إدارةُ إقليم شمال وشرق سوريا نموذجًا ثورياً يُثبتُ أنَّ “سوريا الجديدة” ليست شعارًا، بل ممارسةٌ يومية، وبأن سوريا الجديدة لن تكون ألا وطناً للجميع دون إقصاء الشعوب ودون تهميش الثقافات، ودون إنكار لحقوق كل الشعوب التي ساهمت في النضال ضد الديكتاتوريات وأنظمة القمع والهيمنة، وضد كل من حاول أن يمحو من ذاكرة الكتب تاريخ الكرد فـ”هذه النارُ من ذاكرتنا… لن تنطفئ” وسيستمر لهيب نوروز شعاعاً ينير عتمة التاريخ والمستقبل، نوروز سلاح المرأة الأمضى في معركتها نحو الحرية.
نوروز، هي النارُ التي تُنيرُ المستقبل في اتصال بين الماضي والمستقبل حديث تُمسكُ المرأةُ بيدٍ سلاحها، وبالأخرى تُمسكُ مشعلَ الثقافة، يصبحُ نوروزُ وعدًا.
إنَّ كلَّ ثلجٍ سيذوب، وأنَّ كلَّ بذرةِ قمحٍ غُرسَتْ في ظلِّ الحرب، ستنمو شجرةً للحرية في سوريا الجديدة.