زكي بدران
عادت سوريا إلى الواجهة اليوم بإبادة العلويين، وطبعاً هيئة تحرير الشام هي المسؤولة عن هذه الإبادة، ولا تستطيع هيئة تحرير الشام إلقاء اللوم على القوى الأخرى، فقد أعلنوا أمام أعين العالم أجمع أن هذه الجماعات المسلحة ألقت سلاحها وانضمت إلى الجيش الذي يشكلونه، ولم تفعل هذه المجموعات التي هاجمت اللاذقية والمناطق الأخرى ذلك من تلقاء نفسها، فأحمد الشرع قَبِلَ ذلك أيضاً، والآن، تدين الأمم المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا الإبادة الجماعية وتطالب بمحاكمتهم، فمن المسؤول؟ لم تقم بذلك إلّا هيئة تحرير الشام، لقد حثوا العالم على قبول وجود هيئة تحرير الشام، وبطريقة ما، تمّ تسليم سوريا إلى هيئة تحرير الشام، في الوقت الذي لديهم خلافات وتساؤلات حول هيئة تحرير الشام، ولهذا السبب لم يتم رفعها من قائمة الإرهاب، ولا يزال هذا الحصار المفروض على سوريا مستمراً بشكلٍ عام، وعلى الرغم من ذلك استخدموا محيطهم من أجل هيئة تحرير الشام معتقدين أنهم سيغيرونها ويجعلونها تحت سيطرتهم.
ولم تقبل إسرائيل طريقة التفكير هذه، وانطلاقاً من توصيفها لهيئة تحرير الشام بـ عصابة إرهابية وعدم قبولها لوجود مثل هذه القوة وهذه الدولة على الحدود، فقد قامت بعمليات عسكرية وتوسيع مناطق احتلالها، وتتعرض جميع البنى التحتية العسكرية والأسلحة في سوريا لهجوم من قبل إسرائيل، ويتم تدمير العتاد العسكري لسوريا، فيما تريد الولايات المتحدة وأوروبا رؤية هيئة تحرير الشام في السلطة، وهذا ما تظهره أفعالهم، ومن المثير للاهتمام أنّه على الرغم من أن هيئة تحرير الشام كشفت عن وجهها الحقيقي، إلا أنهم لم يغيروا موقفهم بعد، هذا وشكلت هيئة تحرير الشام الحكومة بكوادرها، وانتخبت الجماعات المسلحة أحمد الشرع رئيساً، وشكّلت هيئة تحرير الشام اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني، ورغم غياب قوة تمثيل الشعب في المؤتمر الوطني، إلّا أنّ الولايات المتحدة وأوروبا لم تؤجلا ذلك ولم تُبديا موقفاً، وكان المؤتمر يتألف فقط من أولئك الذين دعتهم هيئة تحرير الشام، ولا يمثل الشعب والقوى والهياكل المنظمة، وتُركت جميع القوات المنظمة في الخارج.
تُعدُّ الدساتير عقوداً اجتماعية، وينبغي أن يكون هناك دعم من شرائح واسعة من المجتمع، وإجراء مناقشات واسعة بين المثقفين والأحزاب السياسية والرأي العام، ومن أجل التوصّل إلى اتفاقٍ وطني، ينبغي أن تشارك جميع الأطراف في المناقشات، لكن هذا لا يحدث في سوريا، كما عينت هيئة تحرير الشام لجنة لإعداد الدستور، ومن الواضح أنّ هيئة تحرير الشام ستعمل على إعداد القوانين على هواها، فهي لا تعترف بمفهوم الديمقراطية، وما نراه هو أنهم يحاولون بناء دولة مركزية متعصّبة على أساس الدين، تأسس حزب البعث على القومية العربية، والآن انتهى نظام البعث، لكن هيئة تحرير الشام تبنت تعريف الجمهورية العربية التي وضعها البعث، وهو ما يُفترض أنها تُعارضه، ومن خلال إضافة اسم الدين إلى ذلك، فإنّها تظهر أنها تؤسس لنظام استبدادي أكثر صرامة ومركزية، وتبني هيئة تحرير الشام سلطتها على عقلية القومية العربية ودين العرب، وعلى الرغم من تكشّف هذه الحقائق، إلّا أنّ الأمم المتحدة والقوى الغربية تلتزم الصمت حيال هذه الأفعال.
وكما قلنا، فإنّ هيئة تحرير الشام ضدّ الديمقراطية، ولا تريد مجتمعاً منظماً، إنها تتجه نحو بنية دولة رجعية متخلّفة عفا عليها الزمن، وذات قواعد دينية صارمة وهياكل أيديولوجية قومية، وتلغي الخيارات الديمقراطية التي يحكم الشعب نفسه، بالإضافة إلى ذلك، فهي تمارس الديماغوجية الوحشية، إذ يقولون إنّ الجميع سيحصل على حقوقه في سوريا الجديدة! يا له من بيان مثير للاهتمام! وكيف سيحصل على هذه الحقوق؟ ولا يطلب من الشعب المشاركة في هذه العملية، ولا يفسح المجال لبناء مجتمع منظم. ليس هناك تنظيم ولا نضال، ولكن الحقوق مصانة! لا يوجد شيء مثل ذلك في العالم، فالحقوق لا تؤخذ إلّا بالقوة والنضالات المنظمة، يجب على الجميع أن يسألوا أنفسهم كيف سيحصل الشعب السوري على حقوقه؟ هل هناك طرق للحصول على العدالة؟ هل البنية التحتية التشريعية لمجتمع ديمقراطي موجودة؟ يجري الآن إعداد دستور ديمقراطي، فهل القوى المنظمة فعالة؟ لا، لا شيء من هذا، فهيئة تحرير الشام ضدّ المجتمع والنظام القانوني الديمقراطي والتعددي، ومع ذلك فإنّها تخدع الرأي العام الداخلي والخارجي بزعمها أنّ الجميع سينال حقوقه، ما هي الحقوق؟ ومن يحددها؟ وكيف سيتم تعريفها؟ كل هذا غير واضح. لاشكّ أنّ هيئة تحرير الشام هي من ستقوم بتعريف وتحديد ومنح تلك الحقوق، ولا يمكن أن تكون سوريا المتروكة لعقلية ومبادرة هيئة تحرير الشام تعددية وديمقراطية قط.