قامشلو/دعاء يوسف ـ لحرصهم على حفظ التراثيات وحمايتها، سعى العديد من أهالي قامشلو إلى جمع القطع الأثرية من مناطق مقاطعة الجزيرة ووضعها في غرفة تحولت مع الأيام إلى متاحف صغيرة للزوار.
عندما تزور قرية في قامشلو يحدثك أهلها عن أقدم ما فيها، وقد ترى بعض القطع والأدوات التي كانت تستخدم سابقاً في منازل الأجداد، من أدوات زراعية قديمة إلى سلال وأوانٍ من القش، ومعدات للطبخ، وفوانيس الزيت للإنارة، إذ يعتز بهذه القطع التراثية الكثيرون لما تحمل من ذكريات لأشخاص كانوا يستخدمونها لتتناقلها الأجيال أو تبقى مركونة على الرفوف.
ومع مرور السنين، تقع هذه التراثيات في أيادي أشخاص لا يدركون قيمتها، لذلك نرى أن العديد من هذه القطع تعرضت للتلف أو الإهمال، ولكن بقي الكثير منها يزين رفوف الذاكرة، لذلك ولد حب هذه التراثيات في قلوب الكثيرين، وخاصةً في قامشلو التي جمعت القدم وحب التراث في نفس أبنائها ليحولوا أركاناً من منازلهم إلى مكان تجمع فيه هذه المقتنيات الثمينة.
الحفاظ على التراث
ومن بين هؤلاء الأشخاص، برز الباحث في الفلكلور “فيغان هيمو” من قرية هيمو، كمثال حي على المبادرات الفردية التي تسعى للحفاظ على هذا الموروث، إذ حول جزأ من منزله إلى متحف لحفظ أثار الجزيرة، وقد احتوى متحفه الطيني 1200 قطعة أثرية قسمت إلى قسمين “قسم خاص بالأدوات التي استخدمت قديماً في الحياة اليومية، وقسم أخر لأدوات الحرث والزراعة”، وتنوعت أعمار المقتنيات الأثرية فمنها ما وصل عمره إلى ثلاثمائة عام، ومنها ما كان أقدم.
فقد بدأ فيغان هيمو بجمع القطع منذ عام 2011، لولعه بحفظ التراث ودراسته، فتراه يتنقل بين مقتنيات متحفه المنزلي، وكأنه يعانق عقوداً طويلة مرت على أرض إقليم الجزيرة التي تتحلى بتراثها الشعبي المتنوع والثمين، فتراه مولعاً بقصة كل قطعه وجمالها الأزلي، من قداحات قديمة تعمل على الفتيل والشرار، وفوانيس الزيت الصغيرة التي لا تنضب، إلى أدوات الحلاقة القديمة ومهد للأطفال وصندوق العروس، وحجريات تعود أعمارها إلى آلاف السنين.
فعند دخولك المكان تجد نفسك قد عدت بالزمن إلى عصور قديمة، تحمل الكثير من عبق الماضي فالمتحف الذي تزين بالأدوات القديمة يعيد بك الزمن إلى قرون مضت وتناثرت، ترويها هذه القطع الأثرية.
فيما يزين جدران وشبابيك الغرفة التي تحولت لرفوف مكواة على الفحم، كانت تستخدم منذ عقود مضت، وإلى جانبها فتيلة غاز (أداة لإنارة المنازل)، ومصباح يدوي قديم، وأداة لجز الصفوف ونول قديم، ومذياع استخدم في الثمانينات، وتلفاز من طراز التسعينات، كما زين الغرفة منخال قديم ومناجل للزراعة، وجرن وجرة صغيرة لحفظ السمن والعسل استخدمها المزارعون أثناء عملهم في الحقوق لساعات طوال.
وسعى هيمو إلى توسيع متحفه للحفاظ على أكبر قطع أثرية إلا أن الإمكانات لم تسمح له بذلك وتمنى من الجهات المسؤولة أن تدعم هذه المتاحف الصغيرة للحافظ على التراث المتبقي.
متحف تراث الشعوب
وهناك متحف آخر في قبو منزل “أندراوس يوسف شابو” (65 عاماً) في وسط مدينة قامشلو، فمن قطع أثرية جمعها مع والده ليحولها إلى متحف تراثي سرياني يحوي أكثر من ثلاثة آلاف قطعة أثرية لشعوب المنطقة من كرد، وعرب، وسريان، وأرمن، في لوحة فسيفسائية تجمع ماضي الشعوب المشترك.
ويبرز المتحف مراحل تطور الآلات، كأول مكوة، ومراحل تطورها من الفحم الحجري إلى التي تسخن على النار، وتظهر في آخر الرف أول مكوة كهربائية، فيما تجد أيضاً شاشات التلفاز القديمة، والراديو، وآلات الكتابة بالإضافة إلى كاميرات التصوير من كاميرا الحجر، حتى كاميرات الفيديو الحديثة.
وترك شابو كما هيمو أبواب متحفه مفتوحة للزوار، وقد لاقت هذه المتاحف أقبالاً كبيراً من أبناء المنطقة الذين أعادتهم هذه الأدوات إلى زمن من الماضي، إذ يستمتعوا بجمال وإبداع آبائهم وأجدادهم السوريين من المكونات، خصوصاً المقتنيات التي يجهلونها كانت تستخدم قديماً
فسحة للعودة للماضي
وعند أطراف الحزام الغربي في مزرعة صغيرة، هناك غرفة طينية صغيرة تحمل في جعبتها مجموعة من الأدوات الصغيرة المستخدمة قديماً، وتزين مدخلها صواني القش الملونة، وقطع فخارية من جرات لحفظ المياه وأكواب من الصلصال، وسلال من القش متفاوتة الأحجام، وعلى رفوف خشبية وضع هاون نحاسي (أداة مستخدمة لطحن التوابل).
حيث اعتمد “سامي منير عايشة” ذو الأربعين عاماً، منذ إيجاده الغرفة جمع كل ما هو قديم فعند الدخول لهذه الغرفة التي لا تتجاوز بضعة أمتار المصممة، كصندوق مفتوح، تنتقل إلى ثمانينات القرن الواحد والعشرين، فمقتنياتها ليست غريبة على كبار السن، وتكون مألوفة فهي ذاتها الأدوات التي كانت تستخدمها الجدات والأجداد في المنازل وضمن الحقول.
فيما كانت غاية “سامي منير عايشة”، من صنع هذه الغرفة قضاء فترة استراحة من العمل في المزرعة ولكنه حولها لمتحف ينقل المرء إلى ذكريات الأجداد.