هيفيدارخالد
يشهد الساحل السوري، حيث تتركز الطائفة العلوية، منذ أسبوع عمليات قتل وخطف ومجازر وانتهاكات جسيمة ومذابح جماعية، راح ضحيتها حتى الآن المئات من المدنيين الأبرياء، بينهم نساء وأطفال، بحسب إحصاءات نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان. الأمر الذي يطرح جملة من التساؤلات حول ما يجري في الداخل السوري بعد سقوط النظام السوري وسيطرة هيئة تحرير الشام على السلطة، والمستجدات المتعلقة بمصير المكونات والأقليات الدينية والعرقية في البلاد والمخاطر المحدقة بهم، وعلى وجه الخصوص العلويين.
وما التصعيد والمواجهات الأخيرة في الساحل السوري إلا خير مثال على ذلك، والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم وبقوة في ظل ما يتعرض له العلويون من مجازرٍ أمام أنظار المجتمع الدولي: هل العلويون في سوريا ضحية حكومة اللون الواحد؟ أم ضحية سياسات حكام سوريا السابقين والجدد؟ أم ضحية التهديدات التي أطلقها الجولاني قبل عشر سنوات، عندما قال “حزب الله زائل ولدينا ثأر مع العلويين” و”إن بين العلويين وأهل السنة ثأراً كبيراً جداً بعد ما فعلوه بأهل السنة من قتلٍ وتعذيب وتشريد واغتصاب للنساء” في وسائل الإعلام، التي طالما روجت لتصريحات الجولاني العدائية تجاه الشعوب السوريّة الأصيلة؟
اليوم، كل ما يجري على الأرض من وقائع في الساحل السوري يؤكد ذلك بشكلٍ واضح وصريح، بالإضافة إلى التدهور المريع في الأوضاع الإنسانية وتزايد الانتهاكات، وسط حالة من الرعب في كافة القرى العلوية في الداخل السوري، حيث تتعرض النساء والأطفال والشيوخ لمجازر على طريقة مرتزقة داعش .
من يرتكب هذه المذابح هم مرتزقة العمشات والحمزات التابعة للاحتلال التركي، التي لها سجل طويل في ارتكاب الجرائم بحق الشعوب السوريّة، وخاصةً الشعب الكردي، إلى جانب ذلك، يشارك في مذابح العلويين بعض المسلحين الأجانب، مثل الشيشان والتكفيريين، الذين دخلوا الشوارع، واقتحموا المنازل، وقتلوا المدنيين، وأحرقوا منازلهم، وبثوا الخوف والرعب في صفوف الأبرياء.
جميع السكان في البلدات والقرى الساحلية من كل الطوائف تعرضوا للأذى، لأن هؤلاء المسلحين ينفذون عمليات تطهير عرقي ممنهج بحق المدنيين تحت ذريعة محاربة فلول النظام السوري، وذلك لتبرير هجماتهم وعمليات القتل الجماعي التي ينفذونها، بعد نشر مقاطع فيديو على مواقع التواصل الافتراضي، تُظهر عمليات إعدام ميداني.
من خلال متابعة عمليات القتل العمد، يتبين أن المجموعات المسلحة التي اندمجت في الجيش السوري مؤخرا، والذي شكله الجولاني، لا تتبنى رؤية شاملة لحماية كافة السوريين، وليس لديها القدرة على حماية الشعوب. كما أن معظم عناصرها غير منضبطين، حيث يُتهم الكثير منهم بارتكاب جرائم بحق الشعب السوري طوال الأزمة، وتُعد ممارساتهم بمثابة استعراض يعكس فوضى وقلة احترافية الجيش الجديد كما يسمونه، ولهم سجل سيئ الصيت في هذا المجال، وليس من السهل عليهم التخلي عن الأفعال والممارسات التي اعتادوا عليها.
الأوضاع الأخيرة في الساحل السوري، حيث الإعدامات الميدانية، قد تؤدي إلى تداعياتٍ خطيرة على مستقبل البلاد وأمنها، حيث يتم استهداف العلويين بشكلٍ ممنهج من قبل عناصر الجولاني في عمليات إبادة جماعية.
من خلال المشاهد المصوّرة، رأينا كيف ملأت الجثث الشوارع في المدن والقرى الساحلية، وكيف سالت الدماء من المنازل، لتكون هذه الأحداث الأعنف التي تشهدها سوريا منذ أن أطاحت هيئة تحرير الشام ببشار الأسد في كانون الأول الماضي، وهذا الأمر يثير المزيد من التساؤلات حول المستقبل الذي ينتظر سوريا، ومن المسؤول عن هدر دماء السوريين الأبرياء.
من المؤكد أن المسؤول عن قتل العلويين بالدرجة الأولى هو أحمد الشرع، الذي لم يستطِع حتى الآن التخلي عن ذهنية أبو محمد الجولاني وأفكاره المتطرفة، رغم ارتدائه البدلة الرسمية وربطة عنق، إلا أن إرث الإرهاب والثأر ما زال في ذهنه، وكل ما يحدث بحق العلويين يؤكد ذلك بقوة، هذه المذابح تُعد وصمة عار ستُلاحق الجولاني حتى الموت، ولا يستطيع التهرب منها، ويتطلب الأمر محاسبته لا محالة، ويجب تحقيق العدالة لضحايا هذه المجازر المروعة.
وللحيلولة دون استمرار مثل هذه الانتهاكات بحق جميع السوريين، يتطلب الأمر الوحدة والتآخي بين المواطنين كافة في جميع أنحاء سوريا، وخلق إرادة وطنية جامعة من الآن فصاعداً. كما يجب على الجهات المعنية والدولية المنخرطة في ملف الأزمة السوريّة فتح تحقيق عادل ومحاسبة كل من ارتكب تجاوزاً أو انتهاكاً بحق المدنيين، والعمل من أجل وقف هذا القهر وحمام الدم في الساحل السوري وعموم سوريا.