الشدادي/ حسام الدخيل ـ في أحياء مدينة الشدادي الواقعة جنوب محافظة الحسكة، لا يزال تقليد “السكبة الرمضانية” يُجسّد قيم التضامن الاجتماعي بعفويته وبساطته، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة الذي شهدته المنطقة خلال السنوات الماضية.
فمع إطلالة كل يوم في شهر رمضان المبارك، تسارع الأسر لتحضير موائد الإفطار، ليتشارك بالطبخة الواحدة أكثر من سبعة جيران، عبر تبادل الأطباق، أو ما يُعرف محليًا بـ “السكبة”، لتكون جسرًا للتعاضد بين الجيران، وفرصةً لتعزيز الروابط الإنسانية في مجتمعٍ طالما اعتزّ بتماسكه.
السكبة… موروثٌ يجمع ولا يفرّق
وتختلف تفاصيل السكبة من منطقة إلى أخرى، لكنها في الشدادي تأخذ طابعًا مميزًا يعكس طبيعة المجتمع المتحاب، فقبل آذان المغرب، تبدأ العوائل بتحضير طبق الإفطار وبكمية كبيرة، حيث يتوزع هذا الطبق على سبعة، أو ثمانية جيران، ليتبادلوا مع بعضهم ما لذ وطاب من الأطعمة الشهية.
وفي السياق، تحدثت لصحيفتنا “روناهي”، إحدى نساء حي البجدلي “فرحة الأحمد“: “لقد ورثنا هذا التقليد عن آبائنا وأجدادنا، ففي الماضي كنا نعيش على الزراعة وتربية المواشي، وكان الجميع يشارك بما عنده، واليوم، ورغم قلة الإمكانات، نحاول الحفاظ على هذه العادة لأنها تذكّرنا بأننا عائلة واحدة”.
وأضافت: “وعلى الرغم من قلة الإمكانات والعوائق الاقتصادية، والمعيشية الصعبة التي تسيطر على غالبية السكان، إلا أن هذا التقليد لم يزل، وعلى طول سنوات الحرب الأربعة عشرة الماضية بقينا محافظين عليه، كنوع من التكافل الاجتماعي، بحيث يتشارك الجيران بفقيرهم وغنيهم، الأطباق، ليكونوا سواسية في هذا الشهر الفضيل”.
لا تُثنيهم التحديات عن العطاء
ولم تنجُ الشدادي من تداعيات الأزمات التي مرت بها سوريا، كحال سائر مناطق البلاد، حيث شهدت نزوحًا كبيرًا، وتدهورًا في الحالة الاقتصادية، وارتفاعًا في أسعار المواد الأساسية، لكن هذه الظروف لم تقضِ على روح التكافل، بل زادتها إصرارًا، كما أوضحت لصحيفتنا “فهمية العلي“: “الأوضاع المعيشية صعبة، لكن الأهالي هنا يعتبرون السكبة واجبًا إيمانيًا واجتماعيًا”.
وتابعت: “فإننا نرى عائلات تُقدّم آخر ما لديها لتشارك الجيران، بل إن بعض النازحين من مناطق أخرى أصبحوا جزءًا من هذه العادة بعد أن احتضنهم المجتمع”.
وترى فهمية، أن استمرار هذا التقليد رغم كل التحديات، يُعدّ رسالة مقاومة ثقافية ضد عوامل التفكك الاجتماعي، وخاصةً بين الأجيال الشابة التي تتعلم من خلاله قيم المشاركة، والتواصل المباشر بدلًا من العزلة، التي تفرضها الظروف الحياتية الصعبة.
مبادرات فردية تدعم التقاليد
ولم تقتصر السكبة الرمضانية على الموائد العفوية، بل تحوّلت إلى مبادرات منظمة في بعض الأحياء، حيث يتبرع السكان المحليون بالمواد الغذائية، أو يقوم تجّارٌ بتوزيع اللحوم، والأرز على العائلات الأكثر حاجة، حيث أشار إمام أحد المساجد في الشدادي “عبد الشعبان“، إلى أن هذه الممارسات تُترجم روح الإسلام في التكافل، وتُعيد إحياء الثقة بين الناس، في وقتٍ تزداد فيه الثقافات الفردية انتشارًا.