دلبرين بطال
في المشهد الجيوسياسي المعقد للشرق الأوسط، يمثّل الكرد في سوريا والعراق طرفاً محورياً في معادلة الصراع والتوازنات الإقليمية، ورغم ما تحقق من مكتسبات سياسية وعسكرية خلال العقود الأخيرة، فإن القضية الكردية لا تزال رهينة التجاذبات الدولية والمصالح الإقليمية، حيث يتعرض المشروع الكردي لسلسلة من التحديات التي تهدف إلى تحجيمه، إن لم يكن تصفيته تماماً، ضمن سياق إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة.
بين معادلة الصراع الإقليمي والمصالح الدوليّة
لطالما كانت المسألة الكردية في الشرق الأوسط عاملاً حساساً في استراتيجيات القوى الإقليمية والدولية، حيث ينظر إليها اللاعبون الإقليميون من زاوية الأمن القومي، بينما تتعامل معها القوى الدولية وفق مقتضيات المصالح الجيوسياسية. في سوريا، باتت الإدارة الذاتية لشمال وشرق البلاد نموذجاً لمشروع سياسي يتجاوز الإطار التقليدي للدولة القومية، ما جعلها في مواجهة مباشرة مع أنقرة التي ترى في أي كيان كردي تهديداً استراتيجياً لأمنها القومي، فضلاً عن دمشق التي تتبنى مقاربة تقوم على استعادة السيطرة المركزية.
أما في العراق، فقد أثبت إقليم كردستان، رغم العقبات، قدرته على تحقيق نوع من الاستقلالية السياسية والاقتصادية، غير أنه يواجه تحديات جدية تتعلق بعلاقاته مع الحكومة المركزية في بغداد، والتوازنات الداخلية بين القوى السياسية الكردية، ناهيك عن الضغوط التي تمارسها دول الجوار لضمان بقائه ضمن نطاق النفوذ الإقليمي.
حرب غير معلنة: الأدوات الجديدة لتقويض المشروع الكردي
في ظلِّ التطورات الراهنة، لم تعد المواجهة تقتصر على الأبعاد العسكرية التقليدية، بل أصبحت تشمل أدوات أكثر تعقيداً، تتراوح بين الضغوط الاقتصادية، والحرب الإعلامية، والاختراقات الأمنية، والتلاعب بالملفات الداخلية. ففي سوريا، يعاني الاقتصاد الكردي من حصارٍ مزدوج، حيث تُمنع الإدارة الذاتية من الوصول إلى المنافذ التجارية الحيوية، بينما يتم توظيف الورقة الاقتصادية كورقةِ ضغط لدفعها نحو تقديم تنازلات سياسية. وفي العراق، ورغم نجاح الإقليم في بناء شراكات اقتصادية، فإن أزمة تصدير النفط عبر تركيا، والتعقيدات المرتبطة بالميزانية الاتحادية، شكلت أدوات ضغط استخدمتها بغداد لإعادة ضبط معادلة العلاقة مع هولير وفق مصالحها. أضف إلى ذلك التدخّلات الخارجية، التي لا تزال تسعى إلى إضعاف الاستقرار الداخلي للإقليم، عبر إذكاء الخلافات السياسية، أو التلويح بالخطر الأمني من خلال المجموعات المرتزقة أو الهجمات العسكرية المباشرة.
ما بعد التحديات: أي مستقبل للمشروع الكردي؟