د. يونس بهرام
يعيش الساحل السوري، كغيره من المناطق السوريّة، واقعًا معقدًا ومؤلمًا نتيجة الصراع الدائر في البلاد منذ عام 2011، ومع تحوّل الثورة السورية إلى حربٍ متعددة الأطراف، أصبح الساحل محورًا أساسيًا في اللعبة الإقليمية، حيث تتداخل فيه المصالح الدولية والرهانات الجيوسياسية. واليوم، وبعد هروب بشار الأسد من ساحة الصراعات يواجه أبناء هذه المنطقة تحديات كارثية نتيجة الاستغلال السياسي والعسكري لهم من قِبَل مختلف الأطراف، سواءً حكم الجولاني أو الجماعات المتطرفة أو حتى القوى الإقليمية الطامحة إلى بسط نفوذها.
أولًا: استغلال النظام السوري للساحل في حربه:
منذ اندلاع الثورة السوريّة، لجأ بشار الأسد إلى تحويل النزاع إلى صراع طائفي لضمان استمراره في السلطة، وبدلًا من حماية السوريين، استغل النظام العلويين في الساحل السوري كوقودٍ لحربه، مجندًا أبناءهم في صفوف الجيش والميليشيات الموالية له، ما أدى إلى مقتل أعداد كبيرة منهم على مختلف الجبهات، حيث لا ترى عائلة في الساحل لم تفقد واحد او اثنين من أبنائها، وبالتوازي مع ذلك، فرض النظام هيمنة قمعية على المنطقة، مانعًا أي صوت معارض من الظهور، رغم تذمر العديد من العلويين من سياساته التي لم تجلب لهم سوى الدمار والفقر.
ثانيًا: خطر الجماعات المتطرفة والانتقام العشوائي:
لم يكن الساحل بمنأى عن انتهاكات الجماعات المتطرفة التي برزت خلال الحرب، حيث سعت بعض التنظيمات المسلحة إلى الانتقام من أبناء الطائفة العلوية، متجاهلةً الفروق بين المدنيين والعسكريين، ونتيجة لهذه العمليات الانتقامية، دفع المدنيون العلويون ثمنًا باهظًا من القتل والتهجير، وهو ما زاد من تعقيد المشهد، حيث وجد هؤلاء أنفسهم بين سندان القمع الأسدي ومطرقة الانتقام المسلح.
ثالثًا: الأطماع التركيّة في الساحلِ السوري:
مع تفاقم الحرب السوريّة، برزت تركيا كلاعبٍ رئيسي يسعى إلى تحقيق مكاسب استراتيجية في المنطقة، مستغلةً حالة الفوضى. وتاريخيًا، لم تُخفِ أنقرة أطماعها في الشمال السوري، خصوصًا في مناطق مثل إدلب واللاذقية القريبتين من الحدود التركية، وهناك تقارير تشير إلى محاولات من قِبَل بعض الفصائل المدعومة تركيًا لرسم حدود بحرية جديدة في البحر المتوسط، إلا أن القوى الغربية، وعلى رأسها الدول الأوروبية وإسرائيل، عارضت ذلك.
أما على المستوى الداخلي، فتسعى تركيا إلى استغلال التركيبة الطائفية في سوريا لصالحها، حيث يُقال إنها تدعم بعض المجموعات السنية المتشددة لتأجيج العنف الطائفي في الساحل، وشمال شرق سوريا (روج آفا) ما قد يؤدي إلى دفع العلويين في تركيا بالطلب من حكومة أردوغان بالتدخّل لحماية العلويين في الساحل السوري وهذا ما تهدف إليه حكومة أردوغان وتركيا نفسها، وإذا تحقق هذا السيناريو، فقد يكون الهدف النهائي هو استنساخ نموذج لواء إسكندرون عبر خلق بيئة تدفع العلويين للقبول بالحماية التركية، خاصةً في ظل الانهيار الاقتصادي والأمني الذي تعانيه سوريا وبها قد تصل تركيا إلى هدفها ألا وهو حصتها الساحل السوري من البحر الأبيض المتوسط، وتستطيع بها رسم حدودها البحرية للحصول على حصتها من مخزون النفط والغاز في المتوسط.
بين استغلال النظام لهم وتعرضهم للانتقام من المجموعات المسلحة، وجد أبناء الساحل السوري أنفسهم في موقفٍ مأساوي، حيث أصبحوا مجرد أدوات في صراع دولي وإقليمي أكبر من قدرتهم على التحكم به، ومع استمرار التدخّلات الخارجية، يبدو أن الساحل سيبقى ساحة للتجاذبات السياسية والعسكرية، ما لم يحدث تغيراً جذرياً في المشهد السوري يُعيد للبلاد وحدتها واستقرارها. وفي النهاية، يبقى السؤال الأهم: إلى متى سيظل المدنيون العزّل وقودًا لهذه الصراعات؟