محمد حمود
في عالمٍ يزدادُ تعقيداً وتشابكاً، حيث تتصارع القوى السياسية والعسكرية على الجغرافيا والهوية، يبرز نداء القائد عبد الله أوجلان للسلام كصوتٍ ينادي بإعادة تشكيل الوجود الإنساني في الشرق الأوسط.
هذا النداء، الذي أطلقه في 27 شباط المنصرم، ليس مجرد دعوة سياسية لوقف الحرب، بل هو رؤية فلسفية عميقة تتجاوز الصراعات الآنية لتلامس جوهر الإنسانية ومصيرها في منطقةٍ تعاني من ويلات التقسيم والاحتلال.
في قلبِ نداء القائد أوجلان تكمن فكرة أن السلام ليس مجرد غياب للحرب، بل هو حالة وجودية تعكس توازنًا بين الذات والآخر، بين الفرد والمجتمع، وبين الإنسان والطبيعة.
السلام، من هذا المنظور، هو عملية بناء مستمرة للعلاقات الإنسانية على أسس العدالة والحرية والاعتراف المتبادل. إنه ليس حدثاً يتحقق مرة واحدة، بل هو مسارٌ ديناميكي يتطلب إعادة تعريف الذات والآخر في إطارٍ من الاحترام المتبادل.
من خلال هذا النداء، يطرح القائد سؤالاً فلسفياً عميقاً: كيف يمكن للإنسان أن يعيش في سلامٍ مع نفسه ومع الآخرين في عالمٍ مليء بالتناقضات والصراعات؟ تكمن الإجابة في إعادة بناء المجتمع على أسس ديمقراطيةٍ تشاركية، حيث تكون الحرية الفردية والجماعية هي المحور الأساسي.
إحدى النقاط المركزية في هذا المسار هي حرية القائد أوجلان الجسدية، والتي تُعتبر رمزاً لتحرير الوعي الإنساني من قيود القمع والاستبداد.
القائد أوجلان يمثل أكثر من مجرد قائد سياسي؛ فهو رمزٌ للنضال من أجل الحرية والكرامة الإنسانية. إن إطلاق سراحه ليس مجرد قضية قانونية أو سياسية، بل هو فعلٌ فلسفي يعيد الاعتبار للإنسان ككائنٍ حرٍّ وقادرٍ على تشكيل مصيره.
في هذا السياق، يصبح السجن مجازاً للقيود التي تفرضها الأنظمة السياسية والاجتماعية على الإنسان؛ فتحرير القائد أوجلان، إذاً، هو تحريرٌ للوعي الإنساني من هذه القيود، وهو خطوةٌ نحو بناء مجتمعٍ يعترف بالآخر ويحترم تنوعه.
الشرق الأوسط، بتركيبته المعقدة من الهويات والأديان والثقافات، يُعتبر مختبراً لفهم طبيعة الصراع والتعايش، فيما يقدم نداء القائد رؤيةً جديدةً لهذه المنطقة، حيث يتم تجاوز صراع الهويات لصالح بناء مجتمعٍ ديمقراطيٍ يعترف بالتنوع ويحترمه.
من خلال هذه الرؤية، يصبح السلام عمليةً تفاوضيةً بين الذوات المختلفة، حيث يتم الاعتراف بحق كل طرفٍ في الوجود والتعبير عن ذاته.
هذا النموذج يتجاوز النظرة الثنائية للصراع (الخير مقابل الشر، الأنا مقابل الآخر) لصالح رؤيةٍ أكثر تعقيداً تعترف بتعددية الهويات وتفاعلها.
في عالمٍ يتسم بالعولمة والترابط، يبرز دور المجتمع الدولي كفاعلٍ أخلاقيٍ يجب أن يتحمل مسؤولية دعم مبادرات السلام؛ فنداء القائد يُذكرنا بأن السلام ليس قضيةً محليةً فحسب، بل هو مسؤوليةٌ إنسانيةٌ عالمية.
المجتمع الدولي مدعو ليكون شريكاً في هذه العملية، ليس من خلال التدخّلات العسكرية أو السياسية التقليدية، بل من خلال دعم المبادرات التي تعزز العدالة والحرية.
ختاماً، إن تحقيق السلام يتطلب أكثر من مجرد وقف إطلاق النار؛ فهو يتطلب تحولاً جذرياً في الوعي الإنساني، حيث يتم تجاوز الخوف من الآخر لصالح بناء علاقاتٍ إنسانيةٍ قائمةٍ على الاحترام والتعاون. إنها رحلةٌ طويلةٌ وشاقة، لكنها الرحلة الوحيدة التي يمكن أن تقودنا إلى مستقبلٍ أفضل للإنسانية.