محمد صالح حبو
في ظل الأزمة السورية المستمرة والتحديات المعقدة التي تواجهها البلاد، يبقى البحث عن حلول فعّالة من أجل تحقيق السلام والاستقرار ضرورة ملحة. وبين مختلف المقترحات المطروحة، تبرز فكرة الفدرالية الجغرافية اللامركزية كأحد الحلول المثلى التي يمكن أن تحقق وحدة سوريا، مع الحفاظ على التنوع الثقافي والديني والعرقي في البلاد. يمكن لهذه الفكرة أن تكون الإجابة على العديد من التحديات التي تلوح في الأفق، بشرط أن يتم تنفيذها وفقاً للمعايير الدولية وقوانين حقوق الإنسان.
مفهوم الفدرالية الجغرافية اللامركزية
الفدرالية الجغرافية اللامركزية هي نظام سياسي يقوم على تقسيم الدولة إلى ولايات أو أقاليم تتمتع بحكم ذاتي موسع، بينما تبقى هناك سلطة مركزية مشتركة تهتم بالمسائل الوطنية الكبرى مثل الدفاع، السياسة الخارجية، والاقتصاد. تهدف الفدرالية إلى توزيع السلطة بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية بطريقة تضمن استقلالية الأقاليم مع تعزيز التنسيق والتعاون بينهما. في السياق السوري، يمكن تقسيم البلاد إلى عدة ولايات فدرالية تتماشى مع التنوع الجغرافي والطائفي، بحيث تُراعى حقوق جميع المكونات في إطار واحد متكامل.
الفدرالية وفقاً للقانون الدولي
يعتبر مفهوم الفدرالية أحد الأنظمة التي تتبناها العديد من الدول في العالم وتستند إلى مبادئ حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية. وفقاً للميثاق الدولي لحقوق الإنسان، فإن الدول ملزمة بحماية حقوق الأفراد والجماعات في إطار تكافؤ الفرص واحترام التنوع الثقافي والديني. الفدرالية الجغرافية اللامركزية توفر إطاراً قانونياً يمكن من خلاله ضمان:
ــ حماية حقوق الأقليات: في سوريا، تضمن الفدرالية تمثيل جميع الطوائف والعرقيات في الهيئات الحكومية وتمنحهم الحق في إدارة شؤونهم المحلية.
ــ الحقوق الثقافية واللغوية: في سوريا الجديدة، يجب أن تكون اللغة الكردية والسريانية معترفاً بهما في الدستور، لتكون جزءاً من الهوية الثقافية للبلاد.
ــ تمكين المرأة: الفدرالية توفر نظاماً يمكن أن يُمَكِّن المرأة من الوصول إلى مناصب قيادية، وهو أمر حاسم في إعادة بناء سوريا. يمكن أن تكون المرأة في الطليعة في عملية صنع القرار، وهو ما يعد خطوة أساسية نحو إرساء أسس الديمقراطية الحقيقية.
ــ فصل الدين عن الدولة: تعتبر الفدرالية الجغرافية اللامركزية ضماناً لفصل الدين عن الدولة، مما يعزز من احترام التنوع الديني ويمنع استغلال الدين في السياسة.
دور وتشكيل الجيش الوطني
في إطار الفدرالية الجغرافية اللامركزية، يعد تشكيل جيش وطني واحداً من أهم المهام التي ينبغي العمل عليها لضمان وحدة البلاد وسلامتها. سيتم تنظيم الجيش الوطني في إطار من التنسيق بين الولايات أو الأقاليم، بحيث تكون هذه الأقاليم مسؤولة عن حماية حدودها وتنظيم قواتها المحلية، لكن تحت إشراف ودعم القيادة المركزية، التي تنظم الدفاع الوطني بكفاءة. المهام الرئيسية للجيش الوطني تشمل:
ــ الدفاع عن حدود سوريا يعتبر الجيش الوطني المسؤول الأول عن حماية الأراضي السورية من أي تهديدات خارجية، من خلال تنسيق الجهود بين الأقاليم المختلفة. ستظل القوات المسلحة السورية بموجب النظام الفدرالي في إطار توحيد استراتيجية الدفاع الوطني.
ــ الحفاظ على الأمن الداخلي تتولى وحدات من الجيش الوطني مسؤولية حفظ الأمن في المناطق الفدرالية، بما في ذلك مكافحة الإرهاب والتطرف، فضلاً عن دعم جهود مكافحة الجماعات المتطرفة مثل “داعش” و”القاعدة”.
ــ التنسيق بين الأقاليم: بينما يحتفظ كل إقليم بقواته الخاصة لحماية حدوده الداخلية، يجب أن يتم التنسيق بين الأقاليم لضمان قدرة الجيش الوطني على العمل بشكل موحد عند حدوث تهديدات على مستوى الدولة.
تحديات تطبيق الفدرالية في سوريا
على الرغم من فوائد الفدرالية الجغرافية اللامركزية، فإن تطبيق هذا النظام في سوريا يواجه عدة تحديات:
ــ الوجود العسكري للجماعات المتطرفة: إن استمرار تأثير جماعات مثل “داعش” و”القاعدة” يشكل تهديداً حقيقياً لعملية الانتقال السياسي في سوريا. لا بد من العمل على مكافحة التطرف وضمان أن تكون الفدرالية إطاراً للسلم وليس للانقسام.
ــ الحفاظ على وحدة البلاد مع وجود تعددية طائفية وعرقية واسعة في سوريا، قد يثير تقسيم البلاد إلى ولايات فدرالية قلقاً من إمكانية تعزيز الانقسامات الطائفية والعرقية. إلا أن ضمان دستور ديمقراطي شامل يحترم جميع الحقوق ويعزز من التنسيق بين الولايات يمكن أن يضمن وحدة سوريا.
ــ العمل على توعية الشعب السوري من الضروري أن تتضافر الجهود الوطنية والدولية من أجل توعية الشعب السوري بأهمية النظام الفدرالي وفوائده. هذه العملية تتطلب تطوير فهم ديمقراطي عميق حول كيفية التعامل مع التنوع وتعزيز حقوق الإنسان في إطار عملية سياسية شاملة
مستقبل سوريا: من خلال الفدرالية الجغرافية اللامركزية
مستقبل سوريا يمكن أن يكون مبنياً على العدالة والحرية إذا ما تبنينا النظام الفدرالي الجغرافي اللامركزي. هذا النظام ليس فقط حلاً ديمقراطياً ولكنه أيضاً يستجيب لمتطلبات الواقع السوري الحالي الذي يتسم بالتنوع العرقي والديني. إن دستوراً جديداً يشمل تمثيل جميع المكونات السورية في هيئات الحكم، بما في ذلك الكرد، العرب، السريان، وغيرهم، سيسهم في بناء جمهورية سورية جديدة خالية من التمييز الطائفي أو العرقي.
إن هذا النظام يتيح لكل منطقة أو ولاية فدرالية إدارة شؤونها المحلية وفق احتياجاتها وتطلعاتها، مع الحفاظ على التنسيق مع الحكومة المركزية التي تهتم بالقضايا الوطنية الكبرى. وهذه الفكرة تتماشى مع المبادئ الدولية لحقوق الإنسان، خاصة فيما يتعلق بحقوق الأقليات وحماية المرأة.