هيفيدار خالد
مثَّل يوم 27 من شهر شباط حدثًا مفصليًا هذا العام، إذ أطلق القائد عبدالله أوجلان دعوة تاريخية للسلام وإرساء مجتمع ديمقراطي، ما أدخل المنطقة في مرحلةٍ جديدة. جاء هذا النداء تتويجًا لمسيرة نضالية طويلة، سطرها القائد أوجلان من سجن إمرالي منذ 26 عامًا، بينما يواصل الشعب الكردي نضاله منذ أربعة عقود ضد سياسات القمع والاستبداد التي تمارسها الدولة التركية، كما اكتسبت الدعوة بعدًا إضافيًا في ظل التطورات المتسارعة في سوريا عقب سقوط نظام بشار الأسد، وعلى الرغم من أن هذه الدعوة لم تكن الأولى من نوعها على هذا الصعيد، لكن مضمون الرسالة حمل نفسا خاصًا بها.
دعوة القائد أوجلان لقيت ترحيبًا واسعًا على المستويات الدولية والإقليمية والعربية، ووُصفت بأنها مبادرة تاريخية وخطوة مهمة نحو تحقيق السلام في تركيا وحل النزاع القائم، وقد وضع هذا النداء النظام التركي أمام مسؤولية كبيرة، بعد أن وضع الكرة في ملعبه، إذ أصبح لزامًا عليه اتخاذ خطوات جادة، تشمل تعديلات دستورية والاستجابة لمطالب الشعب الكردي، ضمن إطار حل سلمي شامل. ومع هذه المبادرة، تلاشت ذرائع الدولة التركية للاستمرار في سياساتها القديمة، وبات الاعتراف بالقضية الكردية دستوريًا وإيجاد حل عادل لها أمرًا لا يمكن تأجيله. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة لا تعني نهاية القضية الكردية، كما يروج البعض، بل تمثل تحولًا استراتيجيًا في مسار النضال الكردي.
تمرُّ المنطقة اليوم بمرحلة حساسة تتطلب إرادة سياسية حقيقية لا سيما بالنسبة للشعب الكردي والتركي على حدٍّ سواء لضمان نجاح عملية السلام، وهذا يستوجب توفير بيئة ديمقراطية وقانونية مناسبة، حيث ينبغي على تركيا إعادة النظر في سياساتها، والسعي إلى بناء دولة ديمقراطية تعترف بحقوق جميع شعوبها. كما أن هذه اللحظة تمثّل فرصة مهمة لتركيا كي تُعيد تقييم ممارساتها السابقة تجاه الشعب الكردي، وتفتح صفحة جديدة قائمة على التعايش السلمي.
نعم إنجاح هذه العملية يتطلب خطوات جادة من جميع الأطراف. فمن جهة، على الدولة التركية الإفراج عن آلاف المعتقلين السياسيين، لا سيما أعضاء حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، والانتقال من النزاع المسلح إلى الحلول السياسية، عبر تعديل القوانين وإعادة النظر في الدستور، وقد أكدت رسالة القائد عبد الله أوجلان على ضرورة تجاوز العنف والتركيز على الحلول السياسية، خاصةً في ظل التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط، التي تستدعي جهودًا فعلية لتحقيق السلام عبر خطوات عملية قابلة للتنفيذ.