محمد حمود
لعب الاحتلال التركي خلال سنين الأزمة السوريّة دوراً سلبياً أرهق كواهل السوريين؛ عبر احتلال أرضهم والتلاعب باقتصادهم وسياساتهم ناهيك عن محاولات حرف ولاءاتهم الوطنية نحو خدمة مشاريع أنقرة.
شهدت سوريا منذ عام 2011 واحدة من أكثر الحروب تعقيدًا في القرن الحادي والعشرين، حيث تداخلت فيها عوامل داخلية وإقليمية ودولية، ومن بين الفاعلين الإقليميين الذين لعبوا دورًا بارزًا في الصراع السوري، برزت تركيا كدولة حاولت توظيف الأزمة لتحقيق مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية.
ومع مرور السنوات، اتضح أن الدور التركي في سوريا لم يكن داعمًا للاستقرار أو للشعب السوري، بل كان في كثير من الأحيان سلبيًا، بل ومضرًا، سواء خلال سنوات الحرب أو في المرحلة التي تلت سقوط نظام الأسد. هذا المقال يتناول الدور التركي السلبي في سوريا، بدءًا من تدخّلها العسكري واحتلالها لأجزاء من الأراضي السوريّة، مرورًا بمحاولاتها التحكم بالاقتصاد السوري، ووصولًا إلى تدخّلها في العملية السياسية بعد الحرب.
التدخّل العسكري التركي واحتلال الأراضي السوريّة
منذ بداية الأزمة السوريّة، اتخذت تركيا موقفًا معاديًا للشعب السوري بكافة مكوناته، ودعمت بشكلٍ مباشر وغير مباشر المجموعات المسلحة المعارضة؛ التي حولتها فيما بعد إلى مرتزقة تجوب أصقاع الأرض في العديد من الدول لتحقيق الحلم العثماني المتجدد.
ومع تطور الأحداث، تحول هذا الدعم إلى تدخّل عسكري مباشر، حيث أطلقت تركيا عدة عمليات عدوانية احتلالية داخل الأراضي السوريّة تحت عناوين توهم متلقيها أنها تبغي من ورائها الخير، مثل “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام”.
هذه العمليات الاحتلالية، التي قالت إنها تهدف إلى مكافحة الإرهاب وحماية حدودها، كانت في الواقع محاولة توسيع نفوذها الجغرافي داخل الأراضي السورية مرحلياً؛ واحتلال هذه المناطق استراتيجياً.
من خلال هذه العمليات، احتلت تركيا مناطق واسعة في شمال سوريا، بما في ذلك مدن مثل عفرين والباب وجرابلس.
وقد أدى هذا الاحتلال إلى تغيير ديموغرافي كبير في هذه المناطق، حيث شجعت تركيا على استيطان عناصر موالية لها من المرتزقة وعائلاتهم، مما أدى إلى تهجير آلاف السوريين الأصليين من منازلهم.
هذا التغيير الديموغرافي يُعتبر انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، ويُشكل تهديدًا خطيرًا للوحدة الترابية السورية، علاوةً على ذلك، أدت العمليات الاحتلالية التركية إلى تدمير البنية التحتية في المناطق التي احتلتها، مما زاد من معاناة السكان.
ففي عفرين، على سبيل المثال، أدى الاحتلال إلى تدمير المنازل والمدارس والمستشفيات، مما أجبر عشرات الآلاف من السكان على التهجير، هذه الأعمال لم تكن فقط انتهاكًا لحقوق الإنسان، بل كانت أيضًا محاولة لفرض واقع جديد على الأرض يعزز النفوذ التركي.
محاولات التحكم بالاقتصاد السوري
لم يقتصر الدور التركي السلبي في سوريا على الجانب العسكري، بل امتد ليشمل الجانب الاقتصادي، فخلال سنوات الحرب، استغلت تركيا الوضع الاقتصادي المتردي في سوريا لتعزيز نفوذها الاقتصادي.
فمن خلال دعمها لمجموعات المرتزقة في الشمال السوري المحتل، سيطرت تركيا بشكلٍ غير مباشر على الموارد الاقتصادية في تلك المناطق، بما في ذلك التجارة والصناعة والزراعة.
علاوةً على ذلك، فرضت تركيا سيطرتها على المعابر الحدودية مع سوريا، مما سمح لها بالتحكم في حركة البضائع والأفراد، وقد استخدمت هذه السيطرة لتعزيز اقتصادها الخاص، حيث سمحت بتدفق البضائع التركية إلى الأسواق السورية، مما أضر بالصناعات المحلية السوريّة التي كانت تعاني أصلاً من تبعات الحرب. كما أن تركيا استخدمت هذه المعابر لفرض رسوم جمركية غير قانونية، مما أدى إلى زيادة الأعباء الاقتصادية على الشعب السوري.
في المناطق المحتلة، تم فرض العملة التركية كوسيلة للتبادل التجاري، مما أدى إلى تقويض العملة السورية وزيادة التضخم، هذا التدخّل الاقتصادي لم يكن فقط محاولة لتحقيق مكاسب مالية، بل كان أيضًا جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى جعل سوريا تابعة اقتصاديًا لتركيا.
الدور التركي بعد سقوط نظام الأسد
بعد سقوط نظام الأسد، كان من المتوقع أن تبدأ مرحلة جديدة في سوريا تعتمد على المصالحة الوطنية وإعادة الإعمار. ومع ذلك، استمرت تركيا في لعبِ دورٍ سلبي يُعيق تحقيق الاستقرار، فبدلاً من دعم عملية السلام، حاولت تركيا توظيف وجودها العسكري والسياسي في سوريا للتأثير على القرارات السياسية الداخلية.
واحدة من أبرز الأدلة على هذا التدخّل هي مشاركة شخصيات قريبة من الاستخبارات التركية في جلسات “الحوار الوطني” التي عُقدت في دمشق في الفترة الأخيرة، هذه الشخصيات، التي تم تقديمها كممثلين للشعب السوري، كانت في الواقع تعمل وفق أجندة تركيّة تهدف إلى تعزيز النفوذ التركي في سوريا.
وقد أدى هذا التدخّل إلى تعقيد عملية “الحوار الوطني” التي غاب عنها الممثلون الحقيقيون بقرار تركي أذعنت له السلطة الجديدة في دمشق، الأمر الذي أثار شكوكًا حول نوايا تركيا وحول مدى استقلالية هذه الشخصيات في تمثيل المصالح السورية الحقيقية.
علاوةً على ذلك، حاولت تركيا استخدام اللاجئين السوريين كورقة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية، فمن خلال التهديد بفتح حدودها أمام موجات جديدة من اللاجئين نحو أوروبا، سعت تركيا إلى الحصول على دعم مالي وسياسي من الدول الأوروبية، هذا الاستغلال للاجئين يُعتبر انتهاكًا لحقوق الإنسان ويُظهر عدم اكتراث تركيا بالمعاناة الحقيقية للشعب السوري.
محاولات التحكم بقرار السوريين
تركيا لم تكتفِ بالتدخّل في الجانب الاقتصادي والسياسي، بل حاولت أيضًا التحكم بقرار السوريين من خلال دعمها للمرتزقة في الشمال السوري المحتل، فخلقت قوى موالية لها داخل سوريا يمكنها الاعتماد عليها في تحقيق مصالحها، هذا الدعم أدى إلى تقسيم المعارضة السوريّة وإضعافها، مما حال دون تشكيل جبهة موحدة قادرة على التفاوض بشكلٍ فعّال.
في المناطق المحتلة، تم فرض مناهج تعليمية تركية في المدارس، مما أدى إلى محو الهوية السوريّة المتنوعة وتعزيز الهوية التركية بين الأجيال الشابة، هذا التغيير الثقافي يُعتبر محاولة لخلق جيل جديد من السوريين الذين يشعرون بالولاء لتركيا بدلاً من وطنهم الأم.
الخاتمة
الدور التركي في سوريا، سواء خلال سنوات الحرب أو في المرحلة التي تلت سقوط نظام الأسد، كان في غالبيته دورًا سلبيًا يعيق تحقيق الاستقرار والسلام. من خلال تدخّلها العسكري واحتلالها لأجزاء من الأراضي السوريّة، إلى محاولاتها التحكم بالاقتصاد السوري وتدخّلها في العملية السياسية، أثبتت تركيا أنها تضع مصالحها فوق مصالح الشعب السوري.
إذا كانت تركيا ترغب حقًا في لعبِ دورٍ إيجابي في سوريا، فعليها أن توقف تدخّلاتها العسكرية، وأن تحترم السيادة السوريّة، وأن تدعم عملية السلام بشكلٍ حقيقي وعادل.
فقط من خلال احترام إرادة الشعب السوري وعدم التدخّل في شؤونه الداخلية، يمكن لتركيا أن تُساهِم في بناء مستقبل أفضل لسوريا وللمنطقة ككل.