د. هشام محفوظ
البيان الصادر عن حزب العمال الكردستاني بشأن وقف إطلاق النار اعتبارًا من اليوم الأول في رمضان 1446هـ/ أول آذار 2025، يحمل دلالات سياسية واستراتيجية وأيديولوجية، حيث يؤكد الحزب أن خطوته هذه تأتي استجابةً لدعوة القائد عبد الله أوجلان، لتحقيق السلام والمجتمع الديمقراطي، إلا أن البيان يشترط بشكلٍ واضح أن تنفيذ قضايا مثل وضع السلاح مرتبط بتحقيق ظروف تُمكّن القائد أوجلان من العيش بحرية جسدية والتواصل دون عوائق مع رفاقه، مما يعكس أن الهدنة ليست مفتوحة، بل مشروطة بمدى استجابة الدولة التركية لهذه المطالب.
في مجمل خطابه، يبرز البيان القائد أوجلان كقائد ملهم ومرجعية فكرية عليا، إذ يُعيد تأكيد الدور المحوري له في رسم مسار الحزب وتوجيه النضال التحرري، كما يحاول الحزب توسيع قاعدته الجماهيرية عبر ربط الدعوة الجديدة بمفاهيم النضال من أجل الديمقراطية وحقوق المرأة والشباب، مستخدمًا تعبيرات مثل “ثورة الحقيقة” و”علم المرأة (جينولوجي)” و”تنظيم المجتمع الأخلاقي والسياسي”، وهو ما يعكس استراتيجية الحزب في تقديم نفسه كحركة ذات طابع عالمي وليست مجرد تنظيم محلي مسلح.
التوقيت الذي اختاره الحزب لإعلان وقف إطلاق النار يحمل أبعادًا رمزية ومعنوية تتعلق بحلول شهر الرحمة والمغفرة والبركات شهر رمضان الكريم كما تتعلق بقرب حلول اليوم العالمي للمرأة في الثامن من آذار وعيد نوروز، وكلاهما يرتبطان بتصور الحزب لهويته النضالية، حيث يسعى إلى ربط كفاحه بقيم الحرية والعدالة الاجتماعية، ولعل حلول شهر رمضان المبارك 1446 هـ قد يكون له دور غير معلن في اختيار التوقيت، فالشهر الفضيل عادةً ما يشهد تهدئة نسبية في بعض النزاعات المسلحة، وهو ما يمكن أن يكون عاملًا إضافيًا دفع الحزب للإعلان عن هذه الخطوة، سواء من منظور ديني واجتماعي، أو من زاوية استثمار اللحظة للتعبير عن صدق وشفافية المقصد وليس كما يرى البعض أنه لكسبِ تعاطف أوسع على المستويين الإقليمي والدولي، ولتغيير أي وجهة نظر ترى الحزب أنه ذو نزوع إرهابي.
وهذا ما يقتضي إضافة المزيد من الضوابط لزيادة تجلية الطابع السلمي لهذا الإعلان، فقد يكون هناك من يرى أنه لا يحمل آليات واضحة لتنفيذه على أرض الواقع، أو لأنه يضع شروطًا قد لا تجد استجابةً من الحكومة التركية التي لا تزال تصنّف الحزب كمنظمةٍ إرهابية وترفض التفاوض معه بشكلٍ مباشر.
لذلك، يبقى السؤال الأساسي:
هل يمثل هذا الإعلان خطوة حقيقية نحو تهدئة مستدامة تبدأ مع انبثاق هلال هذا الشهر الفضيل؟
لم لا؟ الأيام المقبلة هي التي ستثبت أن هذا الإعلان خطوة حقيقية نحو تهدئة مستدامة وليس مجرد مناورة تكتيكية في ظل التطورات الإقليمية والدولية.