دلبرين بطال
في تطورٍ لافتٍ للعلاقات بين موسكو وواشنطن، قاموا باتخاذ خطوات أولى نحو التقارب، وسط متغيرات جيوسياسية تفرض على الطرفين إعادة تقييم استراتيجياتهما، يبدو أن الحرب في أوكرانيا والوضع في الشرق الأوسط، يشكلان أرضية مشتركة للتفاهم بين البلدين، مع محاولات كل طرف تحقيق مكاسب استراتيجية دون تقديم تنازلات جوهرية.
تشير التقارير إلى أن روسيا والولايات المتحدة، دخلتا في مرحلةٍ جديدة من المفاوضات بشأن الأزمة الأوكرانية، مع وساطات إقليمية ودولية، في محاولةٍ لتقريب وجهات النظر، في هذا السياق، انعقدت اجتماعات سريّة في الرياض، جمعت ممثلين عن البلدين، في ظلِّ غيابٍ ملحوظ للدور الأوروبي.
يأتي ذلك بعد تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأن “هناك مؤشرات على خطوات أولى نحو التعاون مع واشنطن، في قضايا رئيسية”، مضيفًا أن “حل الأزمة الأوكرانية يتطلب مقاربةً واقعية تأخذ في الاعتبار المصالح الروسيّة”، في المقابل، لم تصدر واشنطن موقفًا رسميًا يؤكد هذا التقارب، لكن مصادر دبلوماسية أفادت بأن هناك “قنوات مفتوحة” لمناقشة حلول تدريجية قد تشمل وقف إطلاق نار مشروط أو إعادة النظر في بعض العقوبات.
على صعيدٍ آخر، يبرز الشرق الأوسط كمنطقة أخرى لتلاقي المصالح الروسية الأمريكية، رغم اختلاف أجنداتهما في سوريا، إلا أن الطرفين يتعاونان بشكلٍ غير مباشر لتفادي الصدامات العسكرية وتقاسم النفوذ، كما أن تطورات الحرب في غزة والعلاقات المتوترة بين إيران وإسرائيل، دفعت موسكو وواشنطن إلى تبادل الرسائل، في محاولةٍ لضبط إيقاع التوتر الإقليمي. التنسيق الروسي الأمريكي لا يقتصر فقط على الأزمات القائمة، بل يمتد إلى ترتيبات الطاقة، خاصةً في ظل تقلبات أسواق النفط والغاز، فبينما تحاول موسكو تجاوز العقوبات الغربية عبر تعزيز علاقاتها مع الشرق الأوسط، تسعى واشنطن إلى ضبط أسعار النفط لمنع التأثير السلبي على اقتصادها.
أثار هذا التقارب قلقًا أوروبيًا متزايدًا، حيث تخشى العواصم الغربية، من أن تتوصل موسكو وواشنطن، إلى تفاهمات تهمّش دور الاتحاد الأوروبي في المعادلة الدولية، فمع انشغال أوروبا بإدارة تداعيات الأزمة الأوكرانية، يبدو أن النفوذ الأوروبي آخذ في التراجع لصالح قرارات تُصاغ في الكواليس بين القوى الكبرى.
في النهاية، يبقى التقارب الروسي الأمريكي مشروطًا بالمتغيرات الدولية، ومدى قدرة الطرفين على تحقيق مكاسب دون المساس بمصالحهما الحيوية، فهل نشهد تسوية تدريجية للأزمة الأوكرانية، أم أن المصالح المتضاربة ستعيد التوتر بين البلدين؟ الأيام المقبلة وحدها كفيلة بالكشف عن المسار الذي ستسلكه هذه العلاقة المعقدة.