د. علي أبو الخير
رغم كل الدعوات والاجتماعات والندوات من منظمات حقوق الإنسان الدولية والمحلية؛ لم يتم الإفراج عن القائد الكردي الإنساني عبد الله أوجلان. ومع ذلك لم نندهش (على المستوى الشخصي، وعلى مستوى المبادرة العربية لحرية عبد الله أوجلان، التي أتشرّف بعضويتي فيها)؛ ولم نندهش عندما رفض الرئيس التركي أردوغان، الإفراج عن القائد عبد الله أوجلان، على الرغم من مرور أكثر من ربع قرن على اعتقاله، الرجل الذي دافع عن حرية شعبه وحرية المنطقة وحرية العالم، بما فيهم الشعب التركي نفسه، القائد أوجلان ثوري النزعة مثالي الفكر، رفع السلاح بعد أن طارد الأتراك أحلام الشعب الكردي، ثم أرسل للعالم من وراء جدران المعتقل كتبه وأفكاره، ولم يطلب العفو وحتى الإفراج عنه، بل هو من يفرض إدارته للأمور السياسية والمعنوية لنفسه ولشعبه.
وقد حاولت الحكومة التركية إخراجه من السجن مقابل خضوع الكرد للاستسلام والتنازل عن مطالبهم، وهو ما لم يحدث ولن يحدث؛ فأوعز أردوغان، بجسِّ نبض فكر القائد أوجلان، بعد سنوات الحصار الجسدي داخل أسوار السجن؛ حيث أرسل إليه عدة مرات وفوداً للتفاوض معه؛ لكنه رفض كافة الإغراءات؛ ثم نشر فكره ورؤيته من خلال مشروع الأمة الديمقراطية؛ وهو المشروع الذي لا يملك أردوغان مثله.
محاولات اللعب بالقضيّة الكرديّة فشلت
بالفعل حدثت آخر محاولة تركيّة جديدة لجس النبض، وهو ما كشفت عنه صحيفة “زمان” التركية يوم 24 كانون الأول 2025، فقد كشفت أن الوفد التركي الذي التقى مع القائد عبد الله أوجلان، في السجن، ناقش تفاصيل اللقاءات التي عُقدت مع أحزاب “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية” و”الشعب الجمهوري”، بالإضافة إلى المخاوف التي أبدتها بعض الأحزاب السياسية من إطلاق سراح القائد أوجلان؛ وتلك التخاريف موجودة في أذهانهم فقط؛ اللهم إلا من أجل غسل أياديهم من دماء الكرد أمام العالم.
ولذلك أصدر حزب “المساواة وديمقراطية الشعوب”، الكردي، بياناً، بشأن اللقاءين اللذين أجراهما وفد الحزب مع المفكر عبد الله أوجلان، داخل سجن إمرالي، وأوضح حزب العمال الكردستاني في بيانه، الذي تداولته وسائل الإعلام التركية، إن اللقاء شهد تقديم المعلومات اللازمة للقائد أوجلان، بشأن الاجتماعات التي أجراها وفد الحزب مع الأحزاب السياسية التركية، عقب اللقاء الأول؛ حيث لم يتنازل عن مبادئه.
.
الفكر الطوراني أثبت فشله الذريع
إن القومية الطورانية دعوة عنصرية ممتدة منذ قيام الدولة العثمانية، وحتى سقوطها، فالشوفينية الطورانية كانت تتخفى وراء نشر حركة التتريك العثماني، ضد العرب والكرد والألبان؛ وهو ما يمثل رصيداً معاصراً للفكر الطوراني العنصري الذي يشبه الحركة العنصرية الصهيونية؛ ويمكن القول إن خلفية أردوغان الثقافية والاجتماعية والدينية، جعلته يتماهى مع نفسيته، وما يخصه كرئيسٍ تركي، ومن ثمّ عندما يفتخر أردوغان برموزٍ تركيّة، ذكر أمثال محمد الفاتح والب أرسلان؛ وهما ينتمون للجنس التركي، وليس للدولة التركية الحالية، وواضح عدم وجود علماء فلك وطب وكيمياء أو فقه عبر التاريخ، فليس بينهم إلا النادر، مثل عالم رياضي أو تاريخي أو فلسفي مؤثر، مثل ابن رشد وابن الهيثم والفارابي والرازي والغزالي، وهناك افتخار فقط بالقيادات العسكرية، فالتاريخ التركي تاريخ عسكري فقط.
إن المحرك لرجب أردوغان، هو إسلام سياسي متأسلم بامتياز، ولا يمكن لأردوغان أن يسيطر على المنطقة بالدعوة لخلافة تركيّة جديدة، لأن زمنها انتهي بلا رجعة، وكان يرغب في وصول أصحاب الإسلام السياسي، خاصةً جماعة الإخوان المسلمين لحكم عدة دول عربية، يكون هو فيها المرشد، الذي يحدد السياسات الخارجية للدول التي تدور في فلكه، ويحاول أردوغان الوصول إلى قمة الإسلام السياسي، عندما بات يذكّر الأتراك بماضيهم ليفتخروا باحتلالهم للبلاد العربية، ولكنه فشل، ولا يتوقف فشله، ورأى تحميل الكرد مسؤولية الفشل، فامتلأ بالغيظ، ورفض الإفراج عن الرمز الفيلسوف عبد الله أوجلان.
والمدهش أن أردوغان المتأسلم لم يتخلَ عن تراث أتاتورك العلماني، ويمدح أتاتورك الذي ألغى الخلافة، ويمدح السلطان عبد الحميد الثاني في الوقت ذاته، وبسبب ذلك تعيش تركيا حالة من الانفصام، فهي دولة إسلامية تريد رئاسة العالم الإسلامي، وهي دولة علمانية تسعي للانضمام للاتحاد الأوربي، دولة فيها أكبر قاعدة أمريكية، وأكبر تجمع إسلام سياسي معارض للدول العربية، وهو معارض دموي ضد الكرد؛ فيوجد ترابط نفسي وعضوي؛ وهو مع الأنظمة التركية كالغراب يُقلد مشية الطاووس، كما قال الدكتور عبد الوهاب المسيري، حول الدولة العثمانية والأتارتوكية، وربما كان ذلك من أهم أسباب عدم الإفراج عن القائد أوجلان؛ لأن القائد أوجلان فلديه مشروع “الحضارة الديمقراطية” وهو المفكر القائد والإنسان صاحب السلام والفكر والنور.