قامشلو/ ملاك علي ـ الثامن من آذار يوم تتجدد فيه عزيمة المرأة على مواصلة النضال والمطالبة بحقوقها، على الرغم من التحديات والمعوقات التي واجهتها، عبر التاريخ وليومنا هذا، إلا أن قضايا المرأة لا تزال حاضرةً بقوة في النقاشات المجتمعية، حيث تسعى النساء في مختلف أنحاء العالم إلى تحقيق العدالة والمساواة في الحقوق والفرص.
جاء يوم الثامن من آذار، ليكون محطةً سنوية تُكرّم فيها إنجازات المرأة وتُسلّط فيها الأضواء على التحديات التي لا تزال قائمة، لم يكن هذا اليوم مجرد مناسبة احتفالية، بل هو تتويج لنضالات طويلة خاضتها النساء منذ بداية القرن العشرين، حين خرجن إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهن في العمل والتصويت والمساواة، مع مرور الزمن، أصبح هذا اليوم رمزاً عالمياً للوحدة والتضامن بين النساء في كل مكان، وهو فرصة لإعادة التأكيد على أهمية تحقيق مجتمع أكثر إنصافاً وعدالةً للجميع.
يعود أصل يوم المرأة العالمي إلى مطلع القرن العشرين، حيث كانت النساء في “أوروبا، وأمريكا” يعانين من ظروف عمل قاسية وأجور متدنية، إلى جانب حرمانهن من الحقوق السياسية الأساسية مثل حق التصويت، عام 1908، فقد خرجت 15 ألف امرأة في نيويورك في مظاهرة مطالبات بحقوق العمل، وتقليل ساعات العمل، وتحسين الأجور، ومنحهن حق التصويت.
في عام 1910، عقد المؤتمر الدولي للمرأة الاشتراكية في كوبنهاغن، حيث اقترحت الناشطة الألمانية “كلارا زيتكن” تخصيص يوم عالمي للمرأة، ليكون يوماً للتضامن مع النساء في أنحاء العالم، تم تبني الاقتراح، وبدأت الاحتفالات به في عدة دول، وفي عام 1917، أصبح اليوم تاريخاً رسمياً بعد أن قادت النساء الروسيات مظاهرات ضخمة ضد الحرب والجوع، مما أدى إلى منحهن حق التصويت، في عام 1977، اعترفت الأمم المتحدة رسمياً بيوم الثامن من آذار يوماً عالمياً للمرأة، ومنذ ذلك الوقت، أصبح هذا اليوم مناسبةً عالمية تحتفي بها الدول والمنظمات والحركات النسوية.
أهمية الثامن من آذار في النضال النسوي
يمثّل يوم المرأة العالمي محطةً مهمة لاستعراض إنجازات الحركات النسوية، التي نجحت عبر التاريخ في تحقيق مكتسبات عديدة، منها تحسين ظروف العمل، والاعتراف بالحقوق السياسية، وتحقيق تقدم في المساواة بين الجنسين، ومع ذلك، لا تزال هناك العديد من التحديات التي تواجه النساء، مثل العنف القائم على النوع الاجتماعي، والفجوة في الأجور، والتمييز في أماكن العمل، وغيرها من القضايا التي تحتاج إلى نضال مستمر.
في العديد من الدول، يُستقبل هذا اليوم بتنظيم مسيرات، وفعاليات ثقافية، ونقاشات حول القضايا النسوية، بالإضافة إلى تسليط الضوء على النساء الرائدات في مختلف المجالات، كما يُستخدم للتوعية حول القوانين والسياسات التي يمكن أن تحسن وضع المرأة في المجتمعات.
في العالم العربي، يحمل يوم الثامن من آذار دلالات خاصة، حيث تشكل قضايا المرأة محوراً للنقاشات المستمرة في ظل التحولات السياسية والاجتماعية، بالرغم من التقدم الذي أحرزته بعض النساء في مجالات السياسة والتعليم والاقتصاد، إلا أن الكثيرات ما زلن يعانين من التهميش، والعنف، والتمييز.
أما في إقليم شمال وشرق سوريا، فقد لعبت المرأة دوراً محورياً في الثورة الاجتماعية والسياسية، التي شهدتها المنطقة، برزت المرأة في مختلف الميادين، سواء في العمل السياسي، أو العسكري، أو الاقتصادي، وأثبتت قدرتها على القيادة وإحداث التغيير، وقد أُسِّست العديد من المؤسسات النسوية، وتم إصدار قوانين تضمن حقوق المرأة وتحميها من التمييز والعنف، مما جعل التجربة النسوية في هذه المنطقة نموذجاً فريداً على مستوى المنطقة.
تعد المرأة جزءاً لا يتجزأ من بناء المجتمع وحماية هويته الوطنية وثقافته، من خلال دورها كأم، ومربية، وقائدة، ومواطنة، وتساهم المرأة في تعزيز القيم الاجتماعية والحفاظ على التراث والعادات، كما أن دورها في حماية الهوية الوطنية لا يقتصر على الماضي، بل يمتد ليشمل مواجهة التحديات الحديثة التي تواجه الهوية في ظل التغيرات العالمية، إن تمكين المرأة في هذا السياق يعد ضرورة لضمان استدامة المجتمعات والحفاظ على هويتها الثقافية والتراثية.
التحديات التي تواجه المرأة
رغم التقدم الذي تحقق، إلا أن النساء في العالم لا زلن يواجهن تحديات كبيرة، مثل العنف القائم على النوع الاجتماعي، حيث تعاني ملايين النساء حول العالم من العنف الجسدي، والنفسي، والاقتصادي، سواء في المنزل أو في العمل أو في المجتمع، إضافة إلى الفوارق في الأجور.
وتعاني النساء من التمييز في التوظيف والترقيات، بالإضافة إلى التحديات المتعلقة بإجازات الأمومة وظروف العمل. أما في نقص التمثيل السياسي، فرغم وجود نساء قياديات في العديد من الدول، لا تزال النساء ممثلات بنسبة أقل في البرلمانات والحكومات، مما يؤثر على صنع القرارات التي تخصهن. وأخيراً التحديات الثقافية، والاجتماعية، حيث لا تزال بعض المجتمعات تحافظ على تقاليد وقوانين تحدّ من حرية المرأة وتمنعها من تحقيق إمكاناتها الكاملة.
دور المجتمع في دعم المرأة
تحقيق المساواة ليس مسؤولية المرأة وحدها، بل هو مسؤولية المجتمع بأكمله، ويحتاج الرجال إلى أن يكونوا جزءاً من هذه الحركة من خلال دعم حقوق المرأة، ومناهضة التمييز، والمشاركة في بناء مجتمع أكثر عدالة، كما أن الحكومات والشركات والمؤسسات التعليمية تلعب دوراً هاماً في تعزيز المساواة من خلال السياسات التي تحمي المرأة وتضمن مشاركتها الفعالة في المجالات كلها.
الاحتفال بيوم المرأة ليس مجرد تقليد سنوي، بل هو فرصة لإحداث التغيير والتأثير في السياسات والمجتمعات، يمكن استغلال هذا اليوم لتوعية الأجيال القادمة بأهمية المساواة، وتعزيز قيم العدالة الاجتماعية، وتشجيع النساء على المطالبة بحقوقهن وعدم التنازل عنها، كما أن التذكير بالإنجازات التي حققتها النساء في الماضي يساعد في تحقيق مزيد من التقدم نحو مستقبل أكثر إنصافاً.
يوم المرأة العالمي هو مناسبة للاحتفال، ولكنه أيضاً يوم للتأمل والتخطيط للمستقبل، كما أن تحقيق المساواة الكاملة يتطلب جهوداً مستمرة، وتعاوناً بين أفراد المجتمع، لذا، فإن الثامن من آذار يجب أن يكون يوماً تتجدد فيه العزيمة على مواصلة النضال حتى تتحقق العدالة والمساواة الحقيقية.