أفيندار مصطفى
في قاعة مضاءة جيدًا، لكن بظلال قاتمة من الشك، اجتمع نُخبة “المنتخبين بعناية”، ليكتبوا مستقبل سوريا على أوراقٍ قديمة، لم يجف حبر الدم عليها بعد. مؤتمر الحوار الوطني في دمشق، الذي رُوِّج له على أنه “خطوة تاريخية”، بدا أشبه بمسرحية من فصلٍ واحد، حيث الجمهور غائب والممثلون متعبون من تكرار أدوارهم.
افتتح الرئيس الانتقالي أحمد الشرع المؤتمر بكلماتٍ تقطر تفاؤلًا، لكن الحاضرين كانوا يعلمون أن الكلمات، مهما كانت منمقة، لا تبني وطنًا، ولا تطعم نازحًا، ولا تعيد مفقودًا. قرارات بحجم الجبال كُتبت على ورق هشّ، وأمنيات كبرى حُشرت بين قوسين من “سنحاول” و “قد نتمكن”، وكأن المستقبل لعبة حظ لا مشروع وطن.
ومن المثير للدهشة – أو ربما للسخرية – إن “الحوار الوطني” كان أقرب لحوار داخلي بين مجموعة محددة، أشبه بجلسة عائلية حول مائدة سياسية، حيث لم يُدعَ إليها سوى من يحمل صكّ القبول المسبق، بينما بقيت القوى السياسية الأخرى تشاهد المشهد من بعيد، كأنها لم تُسحق تحت الركام، أو لم تدفع فاتورة الحرب بكل ما تملك. أما اللجنة الدستورية المرتقبة، فستعمل على “صياغة عقد اجتماعي جديد”، وكأن المشكلة كانت دائمًا في الورق وليس في الإرادة! فالدساتير في هذه البلاد تُكتب في النهار وتُخترق في الليل، وبينما يحاول المؤتمرون ترميم الخرائط بالكلمات، فإن الجغرافيا على الأرض يُعاد تشكيلها بالقوة.
بدا البيان الختامي أشبه بكتاب أمنياتٍ، يتحدث عن “الحرية والعدالة والمساواة”، وكأنها كانت مجرد مفاهيم نظرية ضائعة في مكتبة دمشق الوطنية، وليس حقوقًا سُحقت تحت جنازير الدبابات وأقبية المعتقلات. ومع ذلك، خرج المنظمون بابتساماتٍ عريضة، وكأنهم انتصروا في سباقٍ لم يشارك فيه أحد غيرهم.