رفيق إبراهيم
التغييرات الكبيرة التي طالت سوريا عقب سقوط النظام، لم تتأثر بها سوريا فحسب، بل امتدت لما أبعد من ذلك بكثير، لتطال الوجود الإيراني والروسي على الأرض السورية، الذين توغلوا في كل مفاصل سوريا، السياسية والعسكرية والاقتصادية.
لقد أحدث السقوط المدوي للنظام السوري، ضربةً قاصمة لحلفاء النظام وخاصة إيران، التي كانت تمني النفس ببقاء بشار الأسد على سدة الحكم في سوريا، كي تكتمل صورة أجنداتها في المنطقة، وهي التي كانت تترقب تسلم دونالد ترامب سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، الذي من المؤكد أنه سيتعامل مع إيران بكل قوة للتخلي عن دورها التخريبي في المنطقة.
وعلى ما يبدو أن الإيرانيين لم يكونوا مطلعين على تفاصيل ما حدث في سوريا. لذا، عنصر المفاجئة أربك الخطط الإيرانية في سوريا، ولم يستطيعوا التدخل لإنقاذ حليفهم الأسد، الأوضاع التي جرت فيها الأمور وتقدم هيئة تحرير الشام، في المحافظات السورية بتلك السرعة، جعل الإيرانيين يتخبطون في تفسير ما جرى، ما جعلهم يستسلمون للأمر الواقع، ليتم البحث عن كيفية التعامل فميا بعد الأحداث التي جرت.
وبعد الخروج الإيراني المذل من سوريا، تحاول الخروج من هذه المصيبة بأقل الخسائر الممكنة، والحفاظ على ما تبقى من حلفائها من الميليشيات العراقية الموالية لها، والحوثيين في اليمن، حيث بدأت تشعر بالقلق والتوتر من وجود خطر على حدودها، لذا ستحاول خلق الفوضى في الداخل السوري، متى ما سنحت لها الفرصة لذلك.
الإيرانيون يدركون اليوم أن دونالد ترامب، لن يتساهل معهم، وكل خطوة محسوبة عليهم، ولهذا ستكون إيران حذرة جداً فيما ستقدم عليه، والتصريحات الأمريكية والإسرائيلية تدل على أن قادمات الأيام ستحمل لإيران الكثير من المشاكل، الأمريكيون في ظل قيادة ترامب الحالية سيسعون لحماية حلفائهم في المنطقة، وخاصة إسرائيل، ولن يسمحوا بظهور فوضى جديدة، تؤدي لإحياء المجموعات المرتزقة كداعش وغيرها، لذلك ستحاول تحجيم الدور الإيراني والتركي أيضاً في هذه المسألة.
الأمريكيون اليوم ليسوا بوارد التخلي عن سوريا، والعراق أيضاً، لأنهم يدركون أن أي انسحاب لهم سيؤدي حتماً لخلق البلبلة، وخاصة أن سوريا باتت مكاناً لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، وبعد تحجيم دور إيران، تركيا تحاول السيطرة على سوريا بشكل كامل، من خلال دعم هيئة تحرير الشام، وتحريضها على مناطق الإدارة الذاتية، وترامب يعي هذه الجزئية، وأي بداية غير موفقة لحكومة ترامب ستؤدي للكثير من المشاكل في المستقبل.
السياسة الأمريكية في المنطقة، يجب عليها تتبع سبل الحل وتختار بدقة الأنسب لإيصال سوريا إلى بر الأمان، لذلك، تقع على عاتقها مسؤولية بالغة للوصول لحلول تحفظ للسوريين حقوقهم، وأيضاً تحفظ مصالح الأطراف المتداخلة، وتؤمن الأمن والأمان فيها، وسد الطريق أمام صراعات وحروب جديدة في سوريا، سيستفيد منها أعداء واشنطن الروس والإيرانيون، وروسيا لا زالت متواجدة على الأرض السورية بقواعدها الموجودة حتى الآن، ومن المهم في هذه الأوقات الحساسة، أن تقدم واشنطن الدعم لقوات سوريا الديمقراطية، للحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة وسوريا بشكل عام.
ما يمكننا الحديث عنه اليوم، إن إيران لن تتخلى عن سوريا بتلك السهولة، التي يتخيلها البعض، وخاصة إنها أثناء تواجدها في سوريا حشدت الملايين من الناس عقائدياً، ما يجعل الساحة السورية خصبة لتنفيذ سياساتها، وستستغل ذلك في خلق الفوضى ودعم الموالين لها، وأيضاً تأمل إيران بفشل المحادثات بين الإدارة الذاتية، وهيئة تحرير الشام، وكذلك تحاول الاستفادة من هجمات تركيا على مناطق شمال وشرق سوريا، لأنها ستغض الطرف عما تخطط له إيران في سوريا.