آرزو يلماز
ترجمة: باقي حمزة
إن نهاية حقبة آتية، والكرد يستعدون لتولي مكانهم كـ “عنصر الاستقرار” في هذه الحقبة الجديدة، ويبدو أن الغرب أيضاً يدرك واقعه ويدعم هذا القرار، لكن ماذا عن تركيا؟
إن الكرد يخرجون من “عنصر عدم الاستقرار” الذي كانوا محصورين فيه في نظام الشرق الأوسط في القرن العشرين… وقد تطور هذا الوضع في المقام الأول بسبب الضرورات التي فرضتها عملية إعادة إعمار العراق… وأخيراً اليوم يتم تعزيز عملية إعادة الإعمار في سوريا…
لم يعد من الممكن إرساء الاستقرار والحفاظ عليه في العراق أو سوريا في ظل نظام لا يتم فيه إشراك الكرد في المعادلة العسكرية والسياسية. على الأقل يمكننا أن نقول إن الرأي في الغرب يتجه في هذا الاتجاه… وكانت المحادثات الثنائية التي عُقدت خلال مؤتمر ميونيخ للأمن الأسبوع الماضي بمثابة مؤشر مهم في هذا السياق…
أجرى رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، لقاءات ثنائية مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ورئيس المفوضية الأوروبية، فضلاً عن رؤساء خمس دول ووزراء خارجية ودفاع إحدى عشرة دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا وفرنسا.
ومن الجدير بالذكر أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الذي حضر المؤتمر نفسه لم يلتقَ أو لم يتمكن من لقاء وزير واحد من أي دولة، وبحسب المقابلة التي أجراها بارزاني مع الصحافة بعد المؤتمر فإن سوريا كانت البند الرئيسي في جدول أعمال المحادثات.
بمعنى آخر، فضل الطرفان مناقشة التطورات في سوريا وتداعياتها المحتملة على العراق مع بارزاني، وليس السوداني؛ لأنه قبل شهر تم الإعلان أثناء اجتماع مسعود البارزاني والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي أن حكومة إقليم كردستان وإدارة روج آفا سوف تعملان معاً بعد تغيير النظام في سوريا.
في الواقع، بينما كان نيجيرفان بارزاني يعقد هذه الاجتماعات، كان وفد إمرالي موجودًا في هولير لنقل الرسالة التي أرسلها القائد عبد الله أوجلان إلى الزعماء الكرد.
وفي هذا السياق، من المناسب أن نتذكر التصريح الذي أدلى به الرئيس المشترك للمجلس التنفيذي لمنظومة المجتمع الكردستاني جميل بايك بمناسبة الذكرى السنوية لاختطاف القائد عبد الله أوجلان في 15 شباط 1999 بعد المؤامرة الدولية عليه، وقال بايك في إشارة إلى الدور الذي لعبته جهات دولية في العملية المذكورة، “إن أرضية المؤامرة ضعفت، حتى إننا نستطيع أن نقول إنها انتهت”.
لقد أكدت على ذلك في مقالاتي السابقة، ولكن اسمحوا لي أن أؤكد عليه مرةً أخرى. لم يعد هناك “كتلة غربية” تحكم العالم، وهذا في الواقع ليس قراراً يعتمد على مؤشرات عسكرية أو تكنولوجية أو اقتصادية.
لقد انتهت “الإرادة السياسية المشتركة” الموجهة إلى “الكتلة الغربية”…ولذلك، على سبيل المثال، فمن غير المعروف كيف وإلى متى سوف يتمكن حلف شمال الأطلسي، الذي أصبح بالفعل “ميتاً”، من البقاء على قيد الحياة في حالته الحالية؟
الأمم المتحدة، في اندفاعها لإنقاذ نفسها من “الفوضى” التي يعيشها العالم، تقول إنها ستعيد تشكيل هيكلها المؤسسي، من بنيتها المالية إلى مجلس الأمن الدولي، بما يتماشى مع القرن الحادي والعشرين، ولكن من غير الواضح ما إذا كانت ستتمكن من القيام بذلك في حين تشهد، على حد تعبير الأمين العام غوتيريش، “أسوأ انقسام في تاريخها”.
في نهاية المطاف، يتفق الجميع تقريباً على أن المسمار الأخير في نعش النظام الدولي الذي ترك بصماته على القرن العشرين قد دُقَّ الأسبوع الماضي في مؤتمر ميونيخ للأمن.
وبناءً على هذا، فمن المفهوم تماماً أن يُعيد حزب العمال الكردستاني تموضعه بما يتماشى مع احتياجات الكرد في سوريا والعراق، الذين يشكلون مركز النظام الجديد الذي سيتم إنشاؤه في الشرق الأوسط. ويبدو إن هذا التموضع الجديد قد جعل من الأسهل بالفعل قبول الكرد باعتبارهم “عنصراً للاستقرار”. لا شك أن الكرد لم يحصلوا بعد على نصيبهم “على طبق من فضة”، إذا صحَّ التعبير. ولكن يبدو أن الكرد عازمون على عدم تفويت نصيبهم في هذا القرن الجديد، وما شهدته سوريا الأسبوع الماضي هو في نظري مثال على هذا التصميم.
رغم إصرار الإدارة الجديدة في دمشق على إقصاء الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، إلا أن الإدارة كانت مع الحوار والنقاش، ولم يترددوا في تقديم يد العون والمساعدة من أجل دخولهم المعادلة الجديدة التي سيتم إنشاؤها في سوريا.
ويمكن القول قد لا يتمكنون من الحفاظ على سيطرتهم العسكرية والسياسية المطلقة شرق الفرات، ولكن سيكون لديهم الفرصة لتقاسم السلطة في دمشق.
ويبدو أن هذا هو بالضبط ما أثار قلق أنقرة في الأيام الأخيرة، وكلما ازداد قلقها ازدادت عدوانيتها، وفي الواقع، كان هذا الانعكاس من جانب أنقرة واضحاً أيضاً في حزيران 2015، عندما أُتيحت للكرد الفرصة لأن يصبحوا شركاء في السلطة في أنقرة، أو عندما تولى كردي فجأة رئاسة العراق في بغداد عام 2005، ولكن يبدو أن الخوف لم يعد له أي فائدة في تجنب الموت.
نهاية العصر قادمة…والكرد يستعدون لتولي مكانهم كـ “عنصر الاستقرار” في هذا العصر الجديد، ويبدو أن الغرب أيضاً يدرك و
اقعه ويدعم هذا القرار.