مقاومة سد تشرين… خسارة لا تعترف بها تركيا أمام مقاومة حرب الشعوب الفدائيةمقاومة سد تشرين… خسارة لا تعترف بها تركيا أمام مقاومة حرب الشعوب الفدائي
سيلفا الإبراهيم
إن حقيقة الحرية تتجلى في أن نكون مسؤولين عن أنفسنا، أي لا ننتظر من أحد أن يحمل مسؤوليتنا، تتجسد هذه المقولة بروح المسؤولية التي تتحلى بها شعوب إقليم شمال وشرق سوريا، فهم متيقنين بأنه إذا أردت أن تحصل على شيء ما، يجب أن تأخذه وتتمسك به بكلتي يديك، وأسنانك وأظافرك، فهذه الشعوب دفعت ثمناً باهظاً للحصول على حريتها وكان الثمن خمسة عشر ألف شهيد، وما التضحية اليوم في سد تشرين إلا للحفاظ على الحرية التي تم دفع فاتورتها دماءً، واليوم يجسد شعب إقليم شمال وشرق سوريا مفهوم حرب الشعب الثورية بل وتجاوز ذلك المفهوم أي يمثل حرب الشعب الفدائية، حيث يتحمّل شعب الإقليم على عاتقه حماية الحدود التي رُسِمت بدماء أبناءها وفلذات أكبادها، ويعتبر حالياً جسر قرة قوزاق وسد تشرين الحدود الطبيعية التي تفصل بين قوات سوريا الديمقراطية ومرتزقة الاحتلال التركي.
ويشكل سد تشرين الكائن على نهر الفرات والواصل شرق الفرات بغربه شريان الحياة للمناطق التي تنتشر على ضفافه في إقليم شمال وشرق سوريا عندما يُغذيها بالماء والكهرباء اللتين تُعتبران مصادر الحياة الأساسية، وأي ضرر قد يمسُّ هذا السد هو تهديد لحياة مئات الآلاف من السكان القاطنين على محيط النهر.
وتهدف تركيا للقضاء على مشروع الإدارة الذاتية وكذلك توسيع نفوذها، وأما هجماتها على سد تشرين بشكلٍ خاص تسعى من خلالها إلى استخدام سد تشرين كورقة ضغط على شعوب المنطقة بقطع المياه والكهرباء عليهم كما فعلت بمحطة مياه علوك، حيث شكل ذلك كارثة إنسانية لمدينة الحسكة والبلدات التابعة لها، فرغم فقر الحال يضطر الأهالي لشراء المياه بالصهاريج، وشعوب المنطقة واعين للسياسة التي تتبعها تركيا. لذا؛ جعلوا أنفسهم جزءاً من هذه المقاومة التاريخية التي تسطرها قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية المرأة، وهم يُشكلون درع حماية لمكتسباتهم دون سلاح ولا دروع تحميهم رغم الهجمات الوحشية التي يتعرضون لها، فأكثر من 24 مدنياً ارتقوا شهداء على سد تشرين وأكثر من 200 شخصاً وقعوا جرحى مقدمين أجزاءً من جسدهم لهذه المقاومة، بهجمات الاحتلال التي استهدفت الطواقم الطبية والصحفيين والمدنيين، ولكن رغم ذلك لا زالوا مستمرين برقصة الحرية حول نار النصر متحدين بنادق الاحتلال وطائراته؛ لأنهم شعب أقرن إرادته بقوته.
ومنذ سقوط نظام الأسد في الـثامن من كانون الأول يشن الاحتلال التركي ومرتزقته حرب إبادة على شعوب المنطقة، فبعد أن احتل مقاطعة منبج وهجّر غالبية الكرد المتواجدين فيها وجّه مدافعه وطائراته إلى جسر قرة قوزاق وسد تشرين ساعياً لتجاوز النهر واحتلال شرق الفرات، ومنذ أكثر من شهرين تدور معارك طاحنة في محيط السد والجسر، ولم تحقق تركيا ثاني أقوى جيش في حلف الناتو أي تقدم في المحورين ووصف الكثيرون سد تشرين وجسر قرة قوزاق بمثلث برمودا لكثرة الضربات الموجعة التي يتلقاها، فجميع المرتزقة الذين يشاركون في هاتين الجبهتين إما يقتلون أو يصابون أو يقعون أسرى بيد قوات سوريا الديمقراطية.
ولتخفي تركيا خسارتها أمام قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية المرأة تمارس حرباً خاصة على الصعيد الإعلامي، حيث تتداول أخباراً مظللة على أنها تقدمت وسيطرت، ولكن الصحافة الحرة في مقاومة سد تشرين لعبت درواً محورياً في فضح التقدم -المزعوم- الذي لم تُحرزه تركيا سوى على مواقع التواصل الافتراضي وهذا ما جعل الصحافة هدفاً للاحتلال التركي فخلال شهرين استهدفت ثلاثة صحفيين على سد تشرين وهم جيهان بلكين وناظم دشتان وعكيد روج، رغم إن المواثيق الدولية تنصُّ على حماية الصحفيين في الأماكن التي تشهد نزاعاً، ولكن الأمر مختلف بالنسبة لشمال وشرق سوريا؛ لأن الصحافة تشكّل هدفاً أساسياً للاحتلال التركي رغم ارتداء الصحفيين لدروع تحمل كلمة PRESS كي لا يكونوا عرضة للهجمات بينما تركيا تستهدفهم عمداً وهذا ما يبين بأن الخوذ والدروع التي يرتديها الصحفيون والصحفيات لا جدوى منها طالما العدو هو الاحتلال التركي. الصحفيان جيهان وناظم كانا بجانب المقاتلين؛ يحملان كاميراتهم خطوة بخطوة يوثقون خسارة الاحتلال وأسلحته ودباباته المدمّرة المُلقاة على الطرقات منذ أول يوم لهجمات الاحتلال، وكانوا يُعرِّفون العالم ببسالة قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية المرأة في خنادق القتال، بينما الزميل الصحفي عكيد روج منذ أول يوم من بدء مناوبة الأهالي على سد تشرين كان العين التي تشهد وترصد مقاومتهم، كانت الصور التي يحنطها بعدسته والرقصات التي تشكل حلقات حول النار المختلطة بزغاريد الأمهات والشعارات التي تمجد المقاومة والشهداء تشوّق الجميع للمشاركة بهذه المقاومة، عكيد روج بكاميراته وأنامله كتب لحظات تاريخية عن مقاومة سد تشرين، كانوا يفضحون خسارة الاحتلال ووجهه الإرهابي للعالم، هؤلاء الصحفيون ليسوا وليدي مقاومة سد تشرين بل لديهم تاريخ حافل بالنضال والكفاح بكلمتهم الحرة.
فالصحفي ناظم دشتان في 2014 وثّق دعم تركيا لداعش على حدود كوباني وتم تداول تلك الفيديوهات ليتصدر وجه أردوغان الإرهابي العالم الذي تعمد تجاهل هذه الحقيقة وحتى هذه اللحظة، جيهان بلكين كشفت عن عملاء الاحتلال التركي وخط الخيانة في ثورة روج آفا، عكيد روج كان شاهداً على مقاومة العصر في عفرين وكان العدسة التي تنقل حقيقة التهجير القسري الذي تعرض له العفرينيون في مخيمات الشهباء للعالم الذي أغلق عينيه عن معاناة عفرين التي سببها الاحتلال.
ففي وقتٍ يخشى العالم من الأسلحة الكيماوية يخاف الاحتلال التركي من كاميرا جيهان، ومن قلم ناظم، ومن الكلمة التي ينطقها عكيد، ولكن ثوار الصحافة الحرة لا يفنون لأنهم أبناء ثورة لا تموت، ورغم أن كاميراتهم تلونت بدمائهم إلا أن زملائهم الصحفيين لهذه اللحظة يحملون عدساتهم ويواصلون نقل الحقيقة التي تخشاها تركيا للعالم أسره.
معركة سد تشرين التي باتت ثقباً أسوداً تلتهم طاقة الاحتلال التركي ومرتزقته خسارة لم تعترف بها تركيا ولكن كشفتها الصحافة الحرة للعالم أجمع، وهذا ما كان يزيد من حقده تجاه الكلمة الحرة التي تنطق خسارته.
ولتبرير الخسارة يقول المرتزق أبو عمشة أنهم استطاعوا السيطرة على السد ولكن انسحبوا بناءً على الأوامر التي تلقوها، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ما دمتم انسحبتم لماذا تهاجمون مرةً أخرى وتحاولون السيطرة على سد تشرين؟ ولماذا تزجون المرتزقة في هذه الحرب؟ وتقدمون كل هذه الخسائر في هذه المعركة؟
والأمر الآخر نعلم بأن هدف الاحتلال ليس سد تشرين فحسب بل احتلال شرق الفرات بينما السؤال هنا لماذا لا تهاجم تركيا من حدودها على المنطقة وتركز كل معاركها على سد تشرين وجسر قرة قوزاق؟
الجواب هو أن الاحتلال التركي يستخدم المرتزقة كحطب لحربه لتنفيذ مآربه، ولا يود وضع جنوده في مجابهة قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية المرأة بشكلٍ مباشر وهذا ما يجهله المرتزقة أنهم مجرد أجندة بيد الاحتلال وليسوا أصحاب إرادة حرة.
وتعقيباً على تصريح الرئيس التركي أردوغان بأنه إذا لم تُسلم قسد سلاحها فستدفنها مع سلاحها، ولكن سد تشرين برهن العكس، فمرتزقة تركيا هي من تُدفن مع سلاحها منذ أكثر من شهرين، فقسد عاهدت بأن تموت وسلاحها بيدها ولا تحيى وسلاحها بيد عدوها، ويتجسد ذلك بمقولة أحد الشعراء “إذا كان التحرير ينبع من فوهة البندقية، فإنّ البندقية ذاتها تنبع من إرادة التحرير، وإرادة التحرير ليست سوى النتاج الطبيعي والمنطقي والحتمي للمقاومة بمعناها الواسع: المقاومة على صعيد الرفض، وعلى صعيد التمسك الصلب بالجذور والمواقف”.