ضياء إسكندر
هل يظنُّ المدعوون إلى جلسات ما قبل “الحوار الوطني” أنهم بالفعل من سيقررون مصير البلاد؟ وهل يمتلكون شرعية تمثيل تطلعات الشعب السوري، أم أنهم مجرد شهود زور على مشهد يُعاد إخراجه بوجوه مختلفة؟
هل يمكن أن تُمثّل هذه الاجتماعات الحوارية التمهيدية لـ “مؤتمر الحوار الوطني”، خطوة حقيقية نحو بناء مستقبل سوريا، أم أنها مجرد استمرار لسياسة المماطلة التي كانت تعتمدها السلطة الساقطة سابقاً؟
أيّ “حوار وطني” هذا، إذا كان المشاركون فيه لا يمثلون الواقع السياسي السوري وتنوعه؟ وكيف يمكن اعتباره حواراً وطنياً إذا كانت اللجنة المُشكّلة تستبعد عمداً قوى بارزة في الساحة السياسية السورية؟
التاريخ يُعيد نفسه.. بحواراتٍ شكليّة
هذه الأسئلة تفرض نفسها بقوة في ظل المشهد السياسي المعقد، خاصةً عندما نستحضر تجارب سابقة لحوارات انتهت إلى لا شيء.
لننظر إلى الوراء قليلاً: في تموز 2011، عُقد لقاء تشاوري في دمشق برئاسة فاروق الشرع، خرج بتوصيات مهمة، لكنها ذهبت أدراج الرياح، كما حدث مع العديد من الحوارات التي أُجريت في المراكز الثقافية والفنادق وحتى المقاهي، حيث كانت تلك اللقاءات مجرد أداة لإضاعة الوقت وإلهاء الشعب، بينما تعاملت السلطة مع التوصيات بإهمال واضح، وكأنها مجرد أوراق لا قيمة لها.
واليوم، لا يبدو أن الأمور تسير بشكلٍ مختلف، فجلسات الحوار التمهيدية لـ “مؤتمر الحوار الوطني” التي عُقدت مؤخراً في بعض المحافظات لم تكن سوى تكرار باهت لما سبق، حيث دُعي المشاركون على عجلٍ، دون أن يعرفوا حتى موضوع النقاش، فجاءت اللقاءات مخيّبة للآمال. لا جدول أعمال واضح، ولا بنود محددة، بل مجرد أحاديث عامة حيث “كلٌّ يُغنّي على ليلاه”.
حوار بلا تعددية.. نتائج بلا شرعية
هنا تستحضرنا القاعدة القانونية الشهيرة: “ما بُني على باطل فهو باطل”، فإذا كانت اللجنة التحضيرية لـ “الحوار الوطني” قد تشكلت من لونٍ واحدٍ، مع إضافة بعض الأسماء للتمويه، ولتزيين المشهد بمظهر “التعددية”، فكيف يمكن الوثوق بمخرجاتها؟
هذه اللجنة التي كان يُفترض أن تكون ممثلة لجميع أطياف المجتمع، جرى تشكيلها بإقصاء معظم القوى السياسية الفاعلة، ما يجعلها غير قادرة على تمثيل التنوع الحقيقي في البلاد.
من جهة أخرى، ثمّة خلط مقصود بين “مؤتمر الحوار الوطني” و”المؤتمر الوطني العام”.
الأول لا يصدر سوى توصيات غير ملزمة، أما الثاني فهو الذي يمكن أن تنتج عنه قرارات حاسمة وواجبة التنفيذ.
وحتى الآن، لم تُظهر السلطة أي نيّة لعقد مؤتمر وطني عام، ما يرسّخ الشكوك حول أن الهدف الحقيقي ليس الإصلاح، بل إضاعة المزيد من الوقت، والتذرّع أمام الداخل والخارج بأنها “لبّت مطالب الحوار”، بينما تمضي في تنفيذ أجنداتها الخاصة.
حكومة آذار.. نسخة عن لجنة الحوار
بناءً على ذلك، ليس مستبعداً أن تكون الحكومة المرتقبة، التي يُفترض تشكيلها في آذار، مجرد انعكاس للجنة الحوار نفسها: حكومة من لونٍ واحد، مع بعض الوجوه الجديدة للتمويه، لكن دون أي تغيير جوهري. أي أن السلطة قد تستخدم الحوار كغطاءٍ، بينما تُبقي زمام الأمور في يدها بالكامل.
ما العمل؟
لهذا، فإن القوى الوطنية والشخصيات المستقلة والعقلاء في سوريا مطالبون اليوم، أكثر من أي وقتٍ مضى، بتوحيد جهودهم لتشكيل جبهة وطنية ديمقراطية عريضة، تتفق على برنامج مشترك لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه البلاد.
كما يجب المطالبة بإعادة النظر في تركيبة اللجنة المشرفة على الحوار، بحيث تضم جميع القوى السياسية دون إقصاء، وأن تبدأ اجتماعاتها في كل محافظة على حِدة، ليُنتخب ممثلوها بشكلٍ ديمقراطي، ومن ثم الانتقال إلى حوارٍ نهائي في دمشق يُفضي إلى مؤتمر وطني عام تكون قراراته مُلزِمة للجميع.