هيفيدار خالد
احتفل جميع أطياف الشعب برحيل النظام السوري السابق والبائد، وعبروا عن سعادتهم وفرحتهم بسقوط الطاغية الظالمة، إلا أن فرحتم لم تكتمل ولم يكتب لها عمراً طويلاً، بعد أن استأثرت الإدارة الجديدة ذات اللون الواحد، التي سيطرت على الحكم في البلاد، بشؤون الوطن لوحدها، وسخرت كل مؤسسات الشعب في خدمة عناصرها واتباعها، الأمر الذي شكل حالة من الغضب والقلق وعدم الارتياح النفسي بين جميع المكونات والأديان، نتيجة حالة من عدم الاستقرار والفلتان الأمني الذي يشهده معظم المدن الخاضعة لسيطرتها، والقرارات الصادرة عنها، المتعلقة بالتعليم والمرأة والحياة العامة، سيما التي تخص مصير الشعب ومستقبل البلاد بالدرجة الأولى.
آخر هذه القرارات، صدور قرار جديد من قبل رئيس المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، الذي أقر تشكيل لجنة تحضرية لمؤتمر الحوار الوطني من أجل بحث مستقبل البلاد. كجميع القرارات السابقة التي صدرت من قبل هذه الإدارة، هذا القرار أيضاً أثار جدل واسع، حول طريقة تشكيلها، حيث وصف مراقبون هذا القرار بأنها خطوة على مسار تقسيم البلاد. ولاقت انتقادات واسعة شملت عدم شمولية اللجنة بالألوان السياسية والدينية والعرقية والطائفية، وكل مكونات المجتمع السوري الأصيل، اللجنة ضمت لوناً واحداً فقد ومعظمهم من حكومة الإنقاذ التي كانت في محافظة إدلب؛ بل اكتفت اللجنة بشخصيات قسم منها غير معروفين لدى الشارع السوري؛ بالتالي هذه المرة أيضاً طغى اللون الواحد مجدداً على المشهد السوري كالمرات السابقة، كما هو الحال الآن عليه، وكأن الجماعة التي سيطرت على دمشق لا تريد التخلص من هذا النهج، نهج اللون الواحد الذي يتخذه أساسا له في القرارات والمراسيم التي يصدرها.
إلى جانب ذلك مازال الكثير من الغموض وعدم الوضوح يلف طبيعية المؤتمر ومهماته وصلاحياته الأساسية. الإدارة المؤقتة تريد رسم المشهد العام في سوريا على أهوائها ومقاسها وأهدافها ورؤيتها الضيقة، وبحجة رفض المحاصصة تم تكليف شخصيات قريبة فكرياً من هيئة تحرير الشام، متجاهلة بذلك متطلبات كافة أطياف الشعب السوري الذي كانوا بانتظار رحيل النظام ورئيسه بشار الأسد، والعيش في البلاد بعيداً عن سياسات الإقصاء والاستبعاد والظلم والعبودية وخطاب الكراهية. لهذا فلا مؤتمركم ولا حواركم يمثل الشعب السوري، وأنه ليس حوار وطني لأنه لا يعترف بأنباء الوطن الذين حاربوا الإرهاب نيابة عن العالم.
عين أحمد الشرع نفسه رئيساً لسوريا بانقلاب عسكري واليوم يشكل لجنة تفتقد لكثيرين من ممثلي الشعب بدءاً من شمال شرق سوريا إلى الجنوب السوري، بهذه التعيينات التعسفية وهذه القرارات المجحفة يريد أن يفرض نفسه ونهجه الأحادي على الجميع، رغم أنها لا تمتلك شرعية القيام بذلك. هذه الإدارة لا تستطيع أن ترى النور، في ظل ما تعيش مناطقها من فوضى وحالة الفلتان الأمني، وسط إقصاء أكبر مكونات الشعب السوري، والقوى الوطنية والديمقراطية والمؤسسات المدنية والتنظيمات النسوية، التي ترى فيها سوريا على أنها بلد الجميع وملك للجميع وليس لطائفة واحدة، والذين يؤمنون بأن سوريا لا تنقسم، وسوريا لكل السوريين دون تمييز طائفي أو مذهبي، وأن يؤمن بأن سوريا يجب أن تكون تعددية ديمقراطية لا مركزية،
لجنة تحضير مؤتمر الحوار الوطني في سوريا والمؤتمر نفسه أيضاً، يجب أن يكون شاملاً ويضم أفراد من التنوع الثقافي السوري، من الكرد والسريان والأرمن والعلويين والدروز وإلا سيكون مصيره الفشل ولا يكمن أن يكون منبراً وطنياً. نجاح هذه الإدارة يعتمد على قدرة الذين يتخذون مناصب فيها على التغلّب على النزعة الطائفية الضيقة لديهم، والتخلص من الذهنية الإقصائية الضيقة ذات الطابع الواحد، التي هي عبارة عن عملية استنساخ تجربة إدلب وجلبها إلى دمشق هذه المرة وتعميمها على الجميع، فضلاً عن مشاركة النساء والفئة الشابة لجميع النشاطات والفعاليات باعتبارهم القوة الديناميكية الأساسية لتغيير المجتمع نحو التطور والازدهار في الوقت الراهن، والخروج بسوريا إلى بر الأمان.