قصة البيت الذي يتردد فيه صوت أجدادنا

فاتن ازدحمد

في قلب فلسطين، هناك بيتٌ قديم لا يزال يتردد فيه صوت الأجداد، يحكي لنا قصصًا عن أرضٍ عشقها الناس بجوارحهم، وافتقدوها لسنواتٍ طويلة. البيت الذي يتناثر فيه عبق الزيتون، وتنتشر رائحته في أرجاء المكان، هو بيتٌ يحمل بين جدرانه الكثير من الذاكرة الفلسطينية التي لا تُنسى.

كان هذا البيت في قرية صغيرة تُدعى “النهر” قبل أن تغتالها آلة الحرب، وتغادرها أجيالٌ كانت تعيش على حب الأرض والعمل في حقول الزيتون.

 المنزل الذي كان مكانًا للجمعات العائلية، حيث كان الأجداد يحكون لأحفادهم عن أيامٍ مضت، حين كانت أراضيهم خضراء، والزيتون يعانق السماء بأغصانه المملوءة بالثمار.

عاشت في هذا البيت عائلة “ازدحمد” التي كانت تملك الأرض والبساتين. كانت الحياة في هذا البيت بسيطة لكن مليئة بالحب والأمل. كانت الجدران تشهد على تضحيات الأجداد، وعلى اللحظات الجميلة التي كانت تحتفل بها العائلة مع كل موسم حصاد زيتون. في تلك اللحظات، كان صوت الجد يملأ أرجاء البيت، وهو يروي قصص الماضي عن النهر الذي كان يمر بالقرب من القرية، وعن شجر الزيتون الذي كان يروي الأرض بأيدٍ فلسطينية فلاحية.

كانت سيدة البيت، “أم حسن”، تتفقد الزيتون بيديها النقية، تحرص على أن تضع كل زيتونة في مكانها الصحيح، فتسهر الليل مع أطفالها لتحضير زيت الزيتون الذي تضعه على موائدهم، لم يكن هناك مكان في الأرض يساوي جمال لحظات الجلوس مع العائلة على مائدة طعامٍ بسيط، لكن فيه الحب الكبير.

لكن الزمن سرق منهم هذه الحياة، وعصفت رياح الحرب بمنازلهم، وأصبحت القرية فارغة، لم تعد رائحة الزيتون تعبق في الهواء، ولا أصوات الأطفال تملأ الأرجاء، أصبح البيت مهجورًا، والجدران التي شهدت كل تلك الذكريات أصبحت خالية من الحياة، وأصبحت الأرض تئن تحت وطأة الاحتلال.

ومع مرور السنوات، أصبح هذا البيت رمزًا لهوية جيلٍ كان يعشق الزيتون والزعتر، ولهذا الجيل الذي نشأ على حب أرضه وحقه في العودة إليها، لكن السؤال يظل قائماً: هل نسمح لهذا البيت أن يندثر ويزول؟ هل نسمح لهذا الصوت الرائع بأن يغيب للأبد؟

من هنا، يظهر الواجب في إعادة تشييد هذا البيت، ليبقى شاهدًا على هويتنا الفلسطينية، يجب أن نعيد بناء هذه الجدران التي كانت يومًا مملوءة بالحب، لنحافظ على ذاكرة أجدادنا وأرضهم. هذا ليس مجرد بناء جدران، بل بناء هوية، وبناء حلم العودة.

لا بد أن نزرع زيتونًا جديدًا على الأرض، ولا بد أن نعيد نشر الزعتر على الجبال، من خلال إعادة تشييد هذا البيت، نعيد الحياة إلى ذاكرتنا، وننقش على جدرانه حكايات أجدادنا، وهذا البيت سيكون هو الرابط بين جيلٍ مضى، وجيلٍ قادم يحمل الأمل في العودة، يحمل في قلبه تاريخًا لا يمكن محوه، وتضحية لا تنسى.

وعندما نعيد بناء البيت، فإننا نعيد بناء الهوية الفلسطينية بكل تفاصيلها، ونشجع أنفسنا على أن نتمسك بهذه الأرض مهما طالت السنون، هذا البيت هو بيتنا، وهو بيت فلسطين.