إعداد/ جوان محمد ـ حُرِم الكثير من اللاعبين من الاستمرار في لعب كرة القدم بسبب الإصابة، ومنهم من يَحمِلون إصاباتهم وهم في ربيع أعمارهم حتى يصبحون كباراً أيضاً، وفي مناطقنا العديد من الإصابات تعني شبه إبعاد عن اللعب مجدداً لأسباب مختلفة.
ويمارس الكثير من الأطفال حتى الكِبر لعبة كرة القدم، والتي تعتبر ذات الشعبية الأولى عالمياً، وفي مناطقنا عشق المستديرة هو متواجد في كلِّ منزل تقريباً، فإن لم يكن هنالك لاعب يمارس هذه اللعبة هناك تشجيع لفرق وأندية ومنتخبات عالمية، ولكن ما يُهدد مستقبل الكثير من اللاعبين هي قضية الإصابات التي حرمت الكثيرين من الاستمرار في لعبة كرة القدم مع فرقهم، واعتزلوها وهم في أوجِ شبابهم وقوتهم وتوهجهم في عالم كرة القدم منهم محلياً ومنهم عالمياً.
أسباب تفاقم الإصابة
ما لفتني وشدّني للتنبيه على قضية الإصابات بعد أن شاهدت لاعب كرة قدم في مناطقنا يُعاني من قطع في الرباط الصليبي ويحتاج لعملية حتى يستطيع العودة للعب بعد أشهر من تاريخ إجراء العملية، والتي تُكلِّف حالياً في العاصمة دمشق 2300 دولاراً أمريكياً، وبمبلغ يناهزه أيضاً تجرى العملية نفسها في مدينة قامشلو، ولكن المشكلة الأكبر في إصابة هذا اللاعب وتفاقمها ووصولها لقطع في الرابط الصليبي كانت التشخيص الخاطئ من قِبل طبيب في قامشلو، حيث يعاني الكثير من المرضى من هذا الأمر وهو العلاج غير الصحيح للمريض، وفي قضية الإصابات في حال لم تُشخص بشكلٍ صحيح فالإصابة قد تؤدي للحرمان مدى الحياة في لعبة كرة القدم، هذا إن لم يصبح غير قادر للمشي بشكلٍ طبيعي من جديد.
وتأتي الإصابات أيضاً من عدم إجراء عملية الإحماء بالشكل الصحيح قبل المباراة وأثناء التدريبات، وتشير إحدى المقالات الطبية التي نشرها موقع “كلومبيا كلينك” والتي تشرح بشكلٍ مفصل عن العوامل التي تؤدي إلى كثرة الإصابات وأسبابها ومنها:
ـ السبب الأول: تأهيل العضلة:
تعتبر أول أسباب إصابة اللاعبين بـ إصابات الملاعب المتكررة هي أنهم لا يخضعون للتأهيل الجيد لعضلاتهم الضعيفة، حيث أن عدم التأهيل يتسبب لهم في مشاكل وإصابات في العضلات الأمامية والخلفية وكذلك العضلة الضامة.
ـ السبب الثاني: التخلّف عن تمارين الإحماء:
كما أن أسباب إصابات الملاعب المتكررة قد تكون بسبب تخلّف اللاعبين عن تمارين الإحماء قبل المباراة أو عدم كفايتها، حيث أن تلك التمارين تعمل على إفراز إنزيمات تساعد على انقباض العضلات بشكلٍ كامل، وهذا الأمر يتسبب في قلة تعرّض العضلات للإصابات والتقلّصات.
ـ السبب الثالث: تمارين الإطالة:
ومن بين أسباب إصابة اللاعبين بشكلٍ مستمر أيضاً عدم خضوعهم لتمارين الإطالة، حيث أن تلك التمارين مهمة تساعدهم على إعادة ترتيب ألياف الأوتار والأربطة لوضعها في أفضل وضعاً ميكانيكياً، وذلك الأمر يتسبب في تقليل فرص الإصابة بتمزق أو قطع الأربطة خاصةً الرباط الصليبي، وأربطة الركبة.
ـ السبب الرابع: أرضية الملعب:
وتعتبر من أبرز أسباب تكرار إصابات الملاعب المتكررة “أرضية الملعب” حيث أن أرضية الملعب إذا كانت غير مستوية يتسبب ذلك في تعرض اللاعب لالتواء في الكاحل أو الكعب، وإذا كانت الأرض صلبة وغير متجانسة فذلك يسبب التواءات وإصابات في غضروف الركبة الهلالي، مع العلم إن أرضية الملعب تُساهم بنسبة 30% في إصابات الملاعب، لذلك يجب أن تكون الملاعب من النجيل الطبيعي لكونها أرض مرِنة قادرة على امتصاص الصدمات وبالتالي لا يمكن للاعب الشعور بها.
ـ السبب الخامس: حذاء اللاعب:
ومن بين أسباب إصابة اللاعبين أيضاً هو حذائهم الرياضي، حيث إن الحذاء يجب أن يكون ملائم لملاعب الكرة، لأن كل ملعب يناسبه حذاء معين، فنجد الحذاء المستخدم في ملاعب النجيل الطبيعي يختلف عن المستخدم في الصناعي، وأيضًا عن المستخدم في المباريات المقامة في أجواء ممطرة، لذلك اختيار الحذاء بشكلٍ خاطئ يتسبب في إصابة اللاعبين.
ـ السبب السادس: برامج التغذية:
كما أنه من أسباب إصابة لاعبي كرة القدم إصابات متكررة قد ترجع للنظام الغذائي الخاطئ لهم، حيث أن النظام الغذائي الذي يحتاج له لاعب كرة القدم يختلف عن النظام الغذائي الخاص بغيره من الرياضيين، لأنه يجب أن يكون تحت إشراف طبيب متخصص في التغذية الرياضية، ليضمن أن اللاعب يحصل على كافة العناصر الغذائية، بحيث يكون الطعام غني بالبروتين في ليلة المباراة، أما قبل المباراة فيجب أن يكون غنيًا بالكربوهيدرات التي تساعد على إنتاج الطاقة اللازمة، بشرط أن تكون قبل المباراة بثلاث ساعات.
ـ السبب السابع: المُنشطات:
ومن أبرز الأسباب هي المنشطات التي يتناولها اللاعب، حيث أن تلك المنشطات تجعله يفقد إحساسه بالإصابة، الأمر الذي يجعل الإصابة تتفاقم وتتحوّل من إصابة بسيطة لإصابة متفاقمة ومزمنة يصعُب علاجها في فترة بسيطة.
ـ السبب الثامن: التشخيص والعلاج:
من بين الأسباب أيضاً التي تسبب إصابات الملاعب المتكررة هو أن اللاعب لا يخضع للتشخيص الدقيق حين يتعرض للإصابة، لذلك يجب عند تعرض اللاعب لأي إصابة الخضوع للإسعافات الأولية بدايةً من نقله بشكل سليم حتى لا تتضرر عضلاته أكثر، كما أنه يجب أن يخضع المصاب للعلاج الطبيعي حتى يعاد تأهيل عضلاته مرةً أخرى هي والأربطة لعدم تضررها، حيث أن إهمال الإصابة وعدم علاجها يتسبب في تفاقم الإصابة بشكلٍ كبير.
النجم الهولندي والاعتزال المبكر
وتجتمع الكثير من العوامل والأسباب في مناطقنا لحصول الإصابات عند لاعبي كرة القدم، وقد حرمت الإصابات كما جاء في سياق التقرير الكثيرين من متابعة لعبة كرة القدم، وحتى عالمياً كان اللاعب الهولندي ماركو فان باستن خسارة كبيرة للجماهير الكروية العالمية، حيث حرمته الإصابة وأدت لابتعاده مبكراً عن لعبة كرة القدم.
وبرز بقوة اسم ماركو فان باستن، الهولندي الطائر الذي أبهر العالم بأهدافه الرائعة وبراعته أمام المرمى.
وفي هذه القصة سنتعرف على خمسة مشاهد هامة في مسيرة فان باستن، وكيف أثبت نفسه كواحد من أفضل المهاجمين في التاريخ:
ـ المشهد الأول: الشرارة الأولى:
الزمان: 3 نيسان 1982
المكان: استاد دي مير (الملعب السابق لأياكس)
كان فان باستن شابًا موهوبًا يحلم باللعب لأياكس أمستردام، نادي قلبه وموطن أسطورته المفضلة يوهان كرويف، وبعد أن انضم إلى صفوف الفريق الثاني لأياكس، انتظر فان باستن فرصته للظهور مع الفريق الأول، وجاءت تلك الفرصة في 1982، عندما اختاره المدرب آد دو موس، للجلوس على مقاعد البدلاء في مباراة نيميجن.
وشعر فان باستن بالحماس والتوتر في وقتٍ واحد، فهو يشارك لأول مرة مع نجوم أياكس، ويشاهد كرويف من قريب، وعندما تقدم أياكس بهدفين نظيفين، دعاه المدرب للاستعداد للدخول بديلاً لكرويف.
وفي تلك اللحظة، شعر فان باستن بأن حلمه يتحقق.. سيرتدي قميص كرويف ويلعب أمام جماهير أياكس. ولم يخذل فان باستن، توقعات المدرب والجماهير، فقد سجل هدفًا رائعًا في أولى مشاركاته، وأظهر مهارات عالية في التحرك والتسديد.
وبعد نهاية المباراة، اقترب منه كرويف في غرفة الملابس، وقال له بابتسامة “ستذهب بعيدًا في عالم كرة القدم”، وكانت هذه الكلمات شهادة عظيمة من أحد أبرز رموز اللعبة.
ـ المشهد الثاني ـ المجد الدولي:
الزمان: 26 حزيران 1988
المكان: ملعب ميونخ الأولمبي
بدأ شبح الإصابة في النيل من فان باستن خلال موسم 1987ـ 1988، لذا ذهب اللاعب مع هولندا إلى يورو 88، لكنه لم يكن ضمن الحسابات للمشاركة أساسيًا.
خسرت هولندا أولى مبارياتها أمام الاتحاد السوفيتي، ثم طالب كرويف (الذي تحول إلى ناقد كروي) بضرورة إشراك فان باستن أساسيًا، وبالفعل شارك نجم ميلان مع إنكلترا وأحرز ثلاثية، كما أقصى الألمان في نصف النهائي بهدف قاتل.
وفي المباراة النهائية على ملعب ميونخ الأولمبي، بات فان باستن بطلًا شعبيًا في هولندا، حيث أصبحت الجماهير تطالبه بالثأر لها من الاتحاد السوفيتي، كما فاز على الألمان.
وشارك فان باستن هذه المرة من البداية وسبب إزعاجًا مستمرًا للدفاع السوفيتي، إلى أن جاءت الدقيقة 33 عندما نجح أسطورة ميلان في خداع خط دفاع المنافس بالكامل، وسرقة رأسية صنع بها الهدف الأول لرود خوليت.
وفي الدقيقة 57، نجح فان باستن في وضع بصمة تاريخية، بعدما سجل هدفًا غاية في الصعوبة والجمال من زاوية شبه مستحيلة، حيث تلقى عرضية زميله موهرن من أقصى اليسار، ليقابلها داخل منطقة الجزاء متطرفًا جهة اليمين بتسديدة مباشرة أبهرت العالم، بعدما مرت أعلى الحارس وسكنت الجهة العكسية في الشباك.
وكانت هذه البطولة التاريخية، سببًا في حصد فان باستن للكرة الذهبية، للمرة الأولى في مسيرته.
ـ المشهد الثالث ـ إثبات الذات:
الزمان: 24 أيار 1989
المكان: ملعب الكامب نو
بعد موسمه المتعثر الأول مع ميلان بسبب الإصابة والغياب لفترة طويلة، عاد فان باستن للانفجار في الموسم الثاني وقيادة الروسونيري بأهدافه الحاسمة إلى نهائي دوري أبطال أوروبا أمام ستيوا بوخارست على ملعب الكامب نو.
ودفع أريغو ساكي مدرب ميلان، بفان باستن أساسيًا في خط الهجوم بجوار خوليت، وخلفهما روبرتو دونادوني وأنجيلو كولومبو.
كان “كامب نو” يحفل بأجواء هيستيرية من جماهير ميلان التي جاءت للاحتفال، وبالفعل سارت المباراة من طرفٍ واحد فقط، إذ أن الروسونيري أهدر فرصًا بالجملة أمام المرمى أحدها من رأسية المهاجم الطائر.
وتقدّم خوليت لميلان في الدقيقة 18 مستغلاً كرة ردت من جسد الحارس أمام المرمى الخالي، قبل أن يستغل فان باستن في الدقيقة 27، هوايته في الطيران ويُحلِّق أعلى دفاعات بوخاريست، ليضع رأسية صاروخية في الشباك.
وعقب 20 دقيقة، عاد فان باستن لمعاقبة بوخاريست بهدف آخر، وإنهاء أي أمل للرومان في العودة خلال المباراة. وكانت هذه المباراة تتويجًا لموسم فان باستن الرائع، وشهادة كافية للحفاظ على الكرة الذهبية للعام الثاني على التوالي.
ـ المشهد الرابع ـ قبلة الوداع:
الزمان: 22 كانون الأول 1992
لم تكن موهبة فان باستن، تتعلق فقط بإحراز الأهداف، أو أنه كان يخطف الكرة الذهبية بسبب ألقابه الأوروبية، وكان عام 1992 خير دليل على ذلك، إذ عاش الهولندي الطائر، بطولة يورو صعبة.
وفشل فان باستن في تسجيل أي هدف في مباريات الطواحين الأربعة ضد إسكتلندا والاتحاد السوفيتي وألمانيا والدنمارك، كما أهدر ركلة الجزاء التي كانت سببًا في وداع هولندا البطولة من نصف النهائي أمام زملاء العملاق بيتر شمايكل.
ورغم عدم زيارة الشباك في اليورو أو حصد بطولة قارية مع ميلان، إلا أن فان باستن نال قبلة الوداع من الساحرة المستديرة، على أدائه الذي لم يترجم إلى أهداف كثيرة أو بطولات أوروبية، حيث حصل على الكرة الذهبية للمرة الثالثة، بالإضافة إلى جائزة لاعب العام من الفيفا واليويفا ومجلة ورلد سوكر.
ـ المشهد الخامس ـ وداع مؤلم:
الزمان: 26 أيار 1993
المكان: ملعب ميونخ الأولمبي
كان فان باستن، نجمًا لامعًا في سماء كرة القدم، ولكنه كان يدفع ثمن تألقه بالتعرض للإصابات المتكررة بكاحله في أوج فترات تألقه، كان يتحمّل الألم ويواصل اللعب، ولم يستسلم لليأس.
وبعدما وصل الروسونيري إلى نهائي أغلى البطولات الأوروبية، كان الهولندي الطائر يحلم بإهداء جماهيره الكأس، لكن المصير كان قاسيًا عليه، فخسر المباراة أمام مارسيليا، وخسر أيضًا فرصة العودة للملاعب. كان ذلك آخر ظهور لفان باستن في عالم الساحرة المستديرة، وكان عمره 28 عامًا فقط ويمتلك موهبة استثنائية، وحاول بكل جهده أن يشفى من إصابته، وخضع لعدة عمليات جراحية، لكن دون جدوى.. اضطر إلى إعلان اعتزاله الرسمي في عام 1995، وسط حزن عارم من عُشاقه.
ولم تذهب تضحيات فان باستن سدىً، فقد أثارت إصاباته الجدل حول قوانين اللعبة، ودفعت الاتحاد الدولي لإصدار قرارات تحمي المهاريين من التدخّلات الخطيرة.