لافا خلف
الأوطان نوعان أوطان مزورة، وأوطان حقيقية، فالأوطان المزورة هي أوطان الطغاة، والأوطان الحقيقية هي أوطان الأحرار، أوطان الطغاة لا تمنح الناس سوى القهر، والذل، ومدنها هي سجون وقبور، لذا فإن الولاء لأوطان الطغاة خيانة للإنسان، بينما عصيانها والتمرد عليها إخلاص للإنسان وحقه في حياة آمنة، يسودها الفرح وتخلو من الظلم والهوان، لاسيما أن الولاء في أي وطن هو الجذر الذي يربط الإنسان بوطنه، ولن يقوى ذلك الجذر وينمو إلا بما يعطيه الوطن من حرية وعدل.
فالحياة بأكملها مبنية على الحب، أي أن الحب هو الحل لأي شيء، ولكن مع الأسف فالاستعمار قطع طريق الحب أمامنا، ولم يعطِ أي فرصة للحب الصحيح، لاسيما إن كان الحب من أجل الأهداف العظيمة كالوطن. فالعشق إما أن ينتهي في منتصف الطريق، أو يكون العشق أبدياً ينتهي بالشهادة أو لا خيار ثالث إلا الانتصار.
شرفان صوفي “شاهي أحمد عثمان”
كان المقاتل في صفوف وحدات حماية الشعب ولاحقاً في صفوف قوات سوريا الديمقراطية، والذي اختار المقاومة لينعم شعبه بالنور، شرفان صوفي “شاهي أحمد عثمان”، في قامشلو، نشأ وترعرع في كنف أسرة وطنية تتكون من أم مناضلة تعمل لدى حزب الاتحاد الديمقراطي ومؤتمر ستار، وأب يعمل لدى الدفاع والحماية الذاتية الآن، وثلاثة أشقاء وشقيقة واحدة.
وقد التحق المقاتل “شرفان صوفي” منذ بداية الثورة بأكاديمية الشهيد “خبات” العسكرية، فتلقى التدريبات العسكرية هناك، ومن ثم شارك في العديد من الحملات العسكرية وتحرير مناطق عدة من داعش والاحتلال التركي وغيرها، ابتداءً من حملة “تل علو، وشنكال، ومنبج، والرقة، وسري كانيه، وعفرين” وأخيراً سد تشرين وغيرها الكثير.
“شرفان صوفي” المقاتل الذي أرعب العدو بلهيب بندقيته، صاحب الشرارة الأولى لجعل وطنه دافئاً، كان كل شيء في حياته يدعو للفخر، وكانت إنجازاتهم ملموسة ومرئية للعين، فعد الدفاع عن حقوقه وحقوق شعبه واجباً يقع على عاتقه، لذلك فعلها، وهو مؤمن بحب الوطن، فالحب يفعل كل شيء وأحياناً يكون السبب للسير في طريق ما. حيث أن حبه للوطن دفعه للسير في طريق الحرب، طريق المقاومة، فالوطن تحييه الدماء، وتميته الدموع وصاحب الوطن يدافع ويقاوم ولا يرضى بالخضوع.
ما ذا تعرفون عن الحرب؟
هل سبق وأدرك أحد منا معنى الحرب أو ذاق طعمها؟ ماذا نعرف عن صقيع الخوف ووحشة الترقب؟ ماذا نعرف عن سبابة مرتجفة على الزناد وعن برودة الموتى وجحوظ العينين؟ عن دمية سقطت من اليد، عن أغنية ضلت طريقها؟ عن أسرة فرت تاركة قهوتها الصباحية، عن منزل ضجرت جدرانه من الصمت، عن عشيقة التهم الانتظار قلبها، وعن أم اقتحم الشيب شعرها، فماذا تعرفون عن الحرب؟
شرفان، المقاتل الذي اعتاد على الفقد حتى أصبح جباراً صلباً كالسنديان، المقاتل الذي كتب ملاحم خيوطه من ذهب هو ورفاقه، حيث أصيب مرتين، في المرة الأولى أصيب بصدره في بلدة جزعة، وفي المرة الثانية أصيب في مدينة الطبقة، وفي المرة الأخيرة أهدى وطنه أشلاء من جسده، وجدد وعده، واختار أن يسير على دين المقاومة، وينادي بالعشق، فقد أراد أن يكون وطنه بخير، لذلك استمر في السير على هذا الطريق رغم إصابته ودون أن تنكسر عزيمته أو يداهم الشك قلبه، فهؤلاء الأبطال يصبحون من فولاذ ويشبهون الزئبق، لا يستقرون في مكان واحد، كالأسد ملكاً للغابة، هم أيضاً ملوك لأراضيهم، لا يقبلون بأن يدنسها العدو، لذا يفدون بالنفس والروح في سبيل أن تعلى كلمة الحق وألا يسمحوا بأن تلتهم الحروب لحوم شعب بأكمله، فهو كان مؤمناً بأن الأجساد هي التي تقع لا الفكرة، وكانت لديه مقولة يكررها دائماً وهي “إذا لم تقاتل من أجل الكرد وكردستان فلا تستحق العيش”، ورغم بلاده المشتعلة بالثورات كانت صامتة على الخرائط، حيث عاهد رفاقه ونفسه بألا يصمت هو أيضًا، فجميعنا ندرك أنه ليس للكرد سوى الموسيقا والبندقية، وأن الجميع قد حاول قتل الوطن، ولكنهم لم يدركوا أننا نحن الوطن.
“شرفان صوفي”، الراوي والرواية، الحب والمقاومة، لذا لم يكتف بالحياة العسكرية، وحمل السلاح فقط، بل أراد أن يصل صوته كشاب في العشرينات من عمره من خلال المشاركة بالعديد من الندوات والجلسات الحوارية للفئة الشابة، ورفض خطاب الكراهية وحافظ على السلم والتعايش المشترك في ظل وطن ينعم بالأمن والأمان.