إن الفن المسرحي في مدينة أورمية من خلال سرد القصص الكردية مثل “هسو ونازي”، لم يتجاوز الحدود الجغرافية والتاريخية فحسب بل أصبح وسيلة لمقاومة القمع والتمييز.
يعبر الفن خاصة المسرحي منه، عن المشاعر والأفكار والتاريخ والتجارب، ويلغي الحدود المادية والعقلية، ويؤثر بشكل مباشر على الهوية الثقافية ونقل المفاهيم، ويعزز التعاطف والوحدة ومقاومة قيود المجتمع.
الأدب الشفهي
هذا الفن القوي في مدينة أورمية ومن خشبة المسرح يتخطى الحدود الاصطناعية، ويسد الفجوة بين الحاضر والماضي البعيد في وادي زيلان في شرق كردستان، يتناول هذا العمل قصة فولكلورية ورومانسية إلى جانب مفهوم حب “هسو ونازي” المقاومة النسائية والحرمان الطبقي وثقافة الشعب الكردي.
إن الأدب الشفهي لكل أمة هو تمثيل ثقافتها وتاريخها، على الرغم من الحدود فيما بينها، فإن الشعب الكردي يتقاسم ثقافة وتقاليد مشتركة، وقد حظيت هذه الأعمال الثقافية والفنية بشعبية كبيرة على مدى قرون من الزمن، ومن بينها قصة “هسو ونازي” التي اشتهرت باللغة الكردية، وتم سردها من مطربين محليين من شرق كردستان لأول مرة في أورمية باللغة الكردية بأسلوب مسرحي.
وفي الصدد، قالت (كانيا. م) وهي مقيمة وطالبة في أورمية: “هناك مساحة ضئيلة للأعمال الفنية الكردية في أورمية، وهذا ينطبق على التخصصات الفنية، ويحظى المسرح الكردي بشعبية كبيرة في هذه المدينة، لكن عدد العروض المسرحية الكردية التي يتم تقديمها قليلة جداً”.
ولفتت، إلى أنه قد لا تحصل بعض الأعمال الكردية على التراخيص، وقد تواجه بعض هذه المسارح سلوكيات عنصرية. وأوضحت: “إن مثل هذه العروض المرتبطة بتاريخنا يمكن أن يكون لها تأثير على الارتباط الثقافي المشترك والهوية الجماعية، كما تعمل على تعريف العالم بثقافتنا المشتركة” مؤكدةً أن “المسرح الكردي اليوم وسيلة للمقاومة الثقافية ضد السياسات القمعية للسلطات المركزية”.
النساء على المسرح نضال لكسر المحرمات
وبعد ثورة 1978، تم وضع العديد من القيود على حضور المرأة في المسرح، لكن مع مرور الوقت وفي تسعينات القرن الماضي، أصبح حضور المرأة في المسرح أكثر بروزاً، لكن في شرق كردستان كان التمييز، والتحرش بالمرأة في هذا المجال منتشراً على نطاق واسع.
حيث بينت (شادية. ن) إحدى الممثلات في أورمية، بأنه حتى العقود القليلة الماضية كان التمثيل النسائي يعدُّ من المحرمات، بالإضافة إلى القيود القانونية، كما واجهت الممثلات أيضاً عقبات ثقافية واجتماعية: “هناك العديد من النساء اللواتي تعرضن للعنف لمجرد التقدم لتجارب الأداء أو التعبير عن اهتمامهن بهذا المجال، وإن الممثلات الأوائل اللواتي واجهن الاستهزاء والمضايقات في الشوارع”.
وأكدت إن الحضور الواسع للمرأة في المسرح الكردي هو مؤشر إيجابي على أن الرأي العام بدأ يتغير، وحقيقة أن الممثلات اليوم يواجهن تحرشات أقل مقارنة بالماضي هي تأكيد على هذا الادعاء، ولكن هذه المشاكل لا تزال موجودة: “هذا التغيير الذي هو لكسر المرأة المحرمات وظهورها بشجاعة في مجالات مختلفة، يجب أن يستمر بشكل واسع النطاق حتى يصبح المسرح مساحة أكثر أماناً لظهور المواهب النسائية”.
وأشارت، إلى أن وضع المرأة في الأدب الشفوي الكردي قد يكون انعكاساً للتمييز والقمع والمفاهيم الخاطئة، حيث يتم تصوير المرأة في العديد من القصص رمزاً للمقاومة والحياة، ولكن في الوقت نفسه يتم تصويرها ضحية للقمع الاجتماعي والأسري، إن الاضطهاد الذي تعاني منه العديد من النساء منذ العصور القديمة يتطلب تغييرات هيكلية، وهو ما يسلط الضوء بشكل أكبر على أهمية سرد قصة هذه المشاكل.
فيما قالت (داريا. ل) من مشاهدات البرنامج: “لا يزال التمييز والإكراه يسلبان قوة المرأة، وهذا يمكن أن يحد من مسيرتها وفرصها في الحياة، فمن العصور القديمة إلى يومنا هذا، لم يتغير إلا شكل القمع، لذلك يجب علينا أن نصنع تاريخاً مختلفاً”.
يذكر، أنه عرضت مسرحية “هسو ونازي” من إنتاج فرقة مسرح بلاك بورد بأورمية وسط إقبال واسع من أهالي المدينة وكانت زيلان محمدي، وآيناز شبك، وزوزان بيله من بين الممثلات في هذه المسرحية اللواتي تألقن على خشبة المسرح بحضورهن القوي.