حنان عثمان
يعد العنف ضد النساء في الحياة السياسية ظاهرة عالمية منتشرة في معظم بلدان العالم، حتى تلك البلدان التي تتغنى بالديمقراطية وبمبادئ حقوق الإنسان. ينتشر العنف السياسي ضد النساء في الفضاءين السياسيين العام والخاص. ويمكن له أن يتخذ أشكالاً عدة، كالتهديد والترهيب والاعتداء الجسدي أو الجنسي. وغالباً ما تهدف مثل هذه الأفعال إلى تقويض المشاركة السياسية الفعالة للنساء، وتحجيم وردع طموحاتهن في تبوء مواقع قيادية وإدارية في المجتمع، وغالباً ما يتم اللجوء إليها وسيلة للحفاظ على هياكل السلطة الأبوية.
يركز العنف السياسي على استهداف المرأة بسبب نوعها الاجتماعي ومشاركتها السياسية. من المعلوم أنه في الحياة السياسية يتعرض الرجال والنساء للعنف، غير أن الرجال يتعرضون للعنف بسبب سياساتهم أو آرائهم ومواقفهم، في حين أن النساء يتعرضن للعنف لمجرد أنهن نساء.
ومثال على ذلك، ما شهدنا خلال الجلسة، التي عقدها مجلس النواب اللبناني، تحضيراً لانتخاب رئيس جديد للبلاد، مشادة كلامية حامية بين النائبة بولا يعقوبيان، والنائب عن التيار الوطني الحر، سليم عون، موجهاً لها عبارات ذكورية وشتائم وألفاظ نابية، من خلال تشويه سمعتها والتطرق إلى موضوع الشرف والعفة خلال مناقشة سياسية كانت تطرح خلالها النائبة بولا يعقوبيان رأيها ووجهة نظرها. من هنا، يتضح أن المعارضة النسائية تُربِك أولئك الرجال أصحاب الذهنية الذكورية، وتستفز صغار العقول والنفوس منهم.
كما إنه هناك معايير نمطية في السياسة أيضاً تندرج تحت عنوان العنف، حيث تنتشر في غالبية دول العالم معايير نمطية تشير إلى الصفات، التي يتميز بها الذكور، والتي تمنحهم فرصاً أكثر للوصول إلى المناصب القيادية والإدارية العليا: الحزم والتفكير العقلاني والقوة والصرامة. بالتالي يمكنهم تبوء مناصب مهمة في الدولة والدفاع والخارجية والخ. في حين تتمركز النساء في مجالات أخرى: كالتعليم والصحة والثقافة أو في مختلف الوظائف الاجتماعية.
لكن تجارب النساء الناجحة وتفوقهن في مجالات كثيرة إنما تدحض مثل هذه المقاربات الذكورية السلطوية والاحتكارية. فمثلاً، نجد المرأة في شمال وشرق سوريا قد أثبتت جدارتها أكثر من الرجل في العديد من الميادين السياسية، بل وحتى العسكرية من خلال ريادتها الفاعلة والمؤثرة. فهناك القيادية النسائية التي قادت المعارك الطاحنة في مدينة كوباني في الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي، وهناك فعاليات بناء الحياة الاجتماعية التشاركية السلمية، التي لعبت فيها النساء دوراً ريادياً نافذاً في سبيل تكريس التعايش المشترك بين مختلف الشعوب والأثنيات والمكونات المتواجدة في تلك البقعة الجغرافية الصغيرة.
فنجد أن للنساء تنظيماتهن وكياناتهن الخاصة، بدءاً من المجال العسكري والتنظيمي والتعليمي والتربوي والأمني والاقتصادي، لدرجةٍ ترقى فيها إلى مستوى منظومة نسائية خاصة متوازية ومتداخلة مع المنظومة الوطنية العامة، بحيث تجعل لون المرأة وطابعها وإرادتها ساطعة وفعالة. وأبرز مثال على ذلك، سن قوانين المرأة المتطورة جداً حتى على الكثير من البلدان التي تتغنى بالمساواة والديمقراطية، بالإضافة إلى تكريس منظومة الرئاسة التشاركية في الخلايا والمجالس والحركات والأحزاب العامة؛ ما يفجر طاقات المرأة ويصقلها في فترة زمنية قياسية وغير مسبوقة…