محمد العزو
الناي والزمارة آلتان موسيقيتان شعبيتان تشبهان بعضهما ويؤديان الدور الوظيفي نفسه تقريباً، لكنهما يختلفان في مادة الصنع، فبينما آلة “الناي” تصنع من مادة القصب نجد أن “الزمارة” تصنع من الحديد وإن كانت بدايات صنعها كان من القصب. لكن بعد اكتشاف مادة الحديد في الألف الثاني قبل الميلاد /1200ق.م/ أخذوا يصنعونها من مادة الحديد كونها مادة مقاومة أكثر من القصب. الناي آلة موسيقية هوائية مزمارية، ذات صوت شجي وعذب حتى الحيوانات تطرب حين سماع صوتها، وتعد آلة الناي من أهم الآلات التي استخدمت لعزف الموسيقا الشرقية، وهذه الآلة تصدر الصوت بالنفخ به مع التحكم بها بدقة لإخراج الصوت. الناي يصنع من مادة القصب البري، وهو عبارة عن قصبة جوفاء، مفتوحة من الطرفين.
تاريخياً استعمل الناي شعوب عريقة كـ “البابليين وقدماء المصريين” والناي عموماً نوعان منه القصير ومنه الطويل. هذه الآلة تتكون من تسعة غفل، بها ستة ثقوب ذات استقامة واحدة وثقب آخر من الخلف يتحكم به الإبهام. وتشير الدراسات “الأركيولوجية” أن الناي صنع بين عامي/4500 -3000 ق.م/. ويرمز الناي في التقليد الصوفي إلى الرقص الصوفي، حيث تشير إحدى اليدين إلى الأرض والأخرى إلى الأعلى، يفهم من ذلك أن هذا رمز العلاقة المقدسة بين المادية والروحانية وتشير الدراسات ذات الصلة بالموضوع أنّ مؤسسها هو أعظم شاعر صوفي “جلال الدين الرومي”. وكثيراً ما يستعمله الرعاة أثناء السرح بالسحت في المراعي.
أما “الزمارة” هي مؤنث (الزمار) وآلة الزمر. يقول اللغويون أنهم بحثوا في المعاجم القديمة كالمصباح والمختار ولم يجدوا كلمة “زمّارة” بمعنى آلة الزمر بل وجدوا كلمة “المزمار” وفيها أي المعاجم أنه يقال للمرأة “زَامِرة” وليس “زَمّارة” أما الرجل فيقال له “زَمّار” ولا يقال له زَامِر.
إن الفرق بين “الناي” و”المزمار – الزمارة” كلاهما من عائلة آلات النفخ، لكنهما مختلفان في بعض الأمور ومنها ما يلي: من حيث اللون يختلفان بسبب اختلاف مادة الصنع فعادة “الزمارة أو المزمار” لونهما أسود ومفاتيحه فضية اللون، بينما “الناي” يكون فضي اللون بالكامل، وقد يكون ذهبياً. من حيث عدد المفاتيح “الناي” يحتوي على /16/ فتحة بينما الزمارة تحتوي عل /22/ فتحة وتظل طريقة العزف في الآلتين مختلفة لدرجة بسيطة، ومتشابهة إلى حد كبير.
“الزمارة والناي” يستعملان كثيراً في الدبكات والرقصات الشعبية في وادي (الفرات) و”الجزيرة السورية” فالزمارة يستعملها (الشعَّار) الذين يجيدون العزف عليها بشكل احترافي أثناء قيام الأعراس والأفراح التي تتخللها الدبكات العربية المعروفة في “الرقة” مثل دبكة “الولدة”، ودبكة “الخمسة” (ديرجة)، ودبكة “الأسمر”، و”القوصار”. ودبكات أخرى مشابهة في أرياف كل من “دير الزور والحسكة”. وعازفوا “الزمارة” في “الرقة” مشهورون جداً مثل شيخهم العازف الكبير المرحوم “علي الجيجان الكرداوي” رحمة الله عليه، العازف المرحوم (أبو فيصل) طيب الله ثراه والعازف “الزرزوري” عليه الرحمة، وهناك مجموعة طيبة من العازفين من المنطقة الغربية في “الرقة” ضاعت الأسماء من الذاكرة.
هذه الأنواع من الدبكات تم التعرف عليها أثناء هجرة القبائل العربية إلى “الرقة” إبان القرن السابع عشر الميلادي قادمة من غرب “العراق” وكان لدبكة “الولدة” أهمية كبيرة في التعرف على الثقافة الشعبية لهذه القبائل. ومن الدبكات غير العربية في منطقة شمال وشرق سوريا التي استعمل فيها هذه الآلات الموسيقية الشعبية أذكر الدبكات والرقصات “الكردية”، فوفقاً للدراسات التاريخية عند الإخوة “الكرد” ثلاثة أنواع رئيسة من الدبكات، هي: ” الكرمانجية”، “الصورانية”، و”الفيلية” ومن هذه الدبكات الثلاثة تتوزع دبكات أخرى فرعية مع بعض الاختلافات البسيطة في طريقة النهج وتشابك الأيدي والحركات الفردية أو سرعة التناوب والزمن أي الإيقاع الذي يعطي هذه الدبكات لوناً فنياً بديعاً.. ومن الدبكات الشعبية الجميلة في الفضاء الثقافي السوري في شمال وشرق “سوريا” نجد الدبكات “الآشورية” ومنها أولا دبكة “تولاما” وكلمة مختصرة تعني: “هيا لنسير إلى القتال”، ثانياً: هناك دبكة “شرا”، التي تعني “أنه حان وقت المعركة ومقاومة العدو”. وثالتاً: دبكة “أزين لتاما” وهي دبكة لها خصوصية كبيرة عند الشعب “الآشوري” إذ أنها تعني وترمز إلى التصميم والعزيمة والإرادة في الوصول إلى الهدف المقصود، حيث أن الصبايا يقمن بدور المشجعات للشباب السائر إلى هدفه..
ومن أنواع الدبكة والرقص “السرياني” هناك ما يسمى بالرقص الشعبي الحلقي الجماعي ما يشبه الدبكة المنتشرة في أنحاء “سوريا” و”لبنان” و”العراق”. بشكل عام وبشكل ملفت للنظر ينتشر الدبك والرقص “السرياني” في المهرجانات الخاصة وقد عرفناه في محافظة “الرقة” في فترات سابقة مثل (خكا يقورا) بنيسان وأعياد الميلاد ومراسم الزواج و”شيخاني، وتولاما، وبازنايي، وكوباري”. وعند الإخوة “الشركش والشيشان والأرمن” دبكات ورقصات شعبية يستعمل فيها آلة “الناي والمزمار”.
لكن وللأسف ليس لدي معلومات تذكر عنها، ويبقى التراث الفني السوري الشعبي عظيماً من الجذور إلى المعاصرة.