حنان عثمان
في الوقت الذي عاش أكثر من 90 بالمئة من السوريين تحت خط الفقر، كانت أسماء الأسد وعائلتها تكدس ملايين الدولارات (الممنوع تداولها أصلاً في سوريا الأسد)، وتنشغل بكيفية امتلاك المقتنيات والسلع الفاخرة. وعلى الرغم من محاولة إخفاء ثرواتهم عن العيون بحنكة ماكرة وبأساليب غير شرعية، إلا إن الأحداث المتسارعة في سوريا كانت كفيلة لنزع الستار عن ثروة بشار وأسماء الأسد، بدءاً من القصور الشاسعة مروراً بأسطول السيارات الفارهة. إذ أصبح اسم أسماء الأسد، زوجة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، يرمز إلى الفساد والنهب، من خلال السيطرة على خيرات وموارد البلد لهدف بناء سلطة وشبكة اقتصادية واسعة. حيث لعبت “السيدة الأولى” دوراً محورياً في دعم وتمويل العمليات العسكرية لنظام زوجها القمعي. ليس هذا فحسب، بل وكانت من المحرضين على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بحق المعارضين للنظام. “أسماء” المولعة بالإنفاق وبحياة الترف والبذخ والشغف بامتلاك المقتنيات باهظة الثمن، بينما كان الشعب السوري يعاني من هول الحرب الفظيعة ومن الجوع والتهجير والدمار، الذي حول البلاد إلى مدن أشباح فارغة، بعد هجرة ما يقارب من ١٤ مليون سوري هرباً من البطش والاعتقال.
حدود شبكة أسماء الأسد، أو أسوار إمبراطوريتها المالية، لم تنحصر فقط داخل حدود سوريا المدمرة، بل ووصلت إلى العديد من البلدان، وأبرزها لبنان. فضمن الحلقة الواسعة لشبكة المافيا التي أسستها “شوكة الشام” (وليس ياسمين الشام)، هناك شخصيات لبنانية نافذة دارت أنشتطها المالية غير القانونية لتمويل اقتصاد الحرب، ليشمل تجارة الكبتاغون والأسلحة، من خلال شركات غير قانونية تؤثر بشكل مباشر ومدمر على السياسة الداخلية السورية.
كل هذا، وسوريا كانت تشهد احتلالاً تركياً سافراً يقتطع العديد من المدن والمناطق السورية، وخاصة الكردية. لكن هذا لم يكن الشغل الشاغل للسيدة الأولى، ولا لزوجها الذي باع ما تبقّى من أنقاض البلد لينفذ بجلده مع عائلته هاربين إلى روسيا!
مع أنه، لو أنهم فعلاً عالجوا القضايا بعقلية براغماتية وبرؤية استشرافية سديدة، لَما وصلت الحال إلى ما هي عليه الآن. وعلى سبيل الذكر، وليس الحصر، لو أن المقاربة من القضية الكردية في سوريا خرجت من النطاق الأمني التقليدي الرجعي السابق، واتّسعَت لاحتضان ثاني أهم شعب في سوريا، أي الشعب الكردي، بعد العرب، لَما شهدنا التقسيم الذي تؤول إليه سوريا حالياً بقرار دولي حاسم، حتى بعد إسقاط الأسد…
ولو أنه تم أيضاً احتضان الشعوب الأخرى من علَويين ومسيحيين ودروز وتركمان وشركس وآشور وسريان وكلدان، لتحوّلَت سوريا حينها إلى منبر لثورةٍ تقدمية فريدة تلهم جميع شعوب المنطقة، وتصل بالسوريين وبالمنطقة جمعاء إلى بر الأمان بأقل الخسائر وبأعظم المكاسب والمنجزات التاريخية والاستراتيجية.
لا بد هنا من ذكر الريادة النسائية الكردية في ثورة روج آفا في جميع مناحي الحياة، والتي كان بإمكان “السيدة الأولى” أن تلتفت إليها، وتنبِّه زوجها المصون إلى أهميتها الاستراتيجية، بدلاً من أن تتحول إلى “ماري أنطوانيت” ثانية تغرق في البذخ والترف، وتنصح شعبها بتناول “البسكوت” الذي لم يكن حتى متواجداً في السوق!
لكن التاريخ، بكل الأحوال، وعاجلاً أم آجلاً، يقول كلمته الفصل، ويصحح مساره، بعزيمةِ القوى الديمقراطية، والنساء الرياديات الغيورات على وطنهن وشعبهن.. الثورة النسائية في شمال شرق سوريا نموذجاً!