محمد حمود
يعود عنوان “اللامركزية” ليتصدّر المشهد بعد سقوط نظام البعث في سوريا وفرار بشار الأسد نحو روسيا؛ ذلك النظام الذي حاول طوال عقود وبقوة الإبقاء على مركزية الدولة مع هوامش إدارية عبّر عنها بقانون الإدارة المحلية 107 الذي حاول من خلاله الضحك على الذقون عبر هياكل وهمية ليس لها من هامش التحرك شيء.
النهج الذي اتبعه النظام المخلوع حاول من خلال ضمان السيطرة الكاملة على مُقدّرات الدولة ومواردها في مختلف المحافظات، حيث دأب على ترسيخ هيمنته المركزية على الأصعدة كافة، ولا سيما الإدارية والاقتصادية والمالية والأمنية والإعلامية والتمثيلية.
نظام الأسد الأب والابن ربط منافذ الحياة في الجغرافية السوريّة ببوابة العاصمة دمشق، التي يحكمها تعبيراً عن قوّةِ وجوده، معتبراً أي رغبةٍ بالتحرّر من تبعية الوزارات المركزية محاولة لفكِّ عُرى وحدة سوريا الجغرافية والديمغرافية، رغم ما نتج من تلك المركزية الشديدة من تفاوتٍ في التنمية المناطقية.
كما أدت تلك المركزية المُقيتة إلى نهب لثروات المحافظات وتعميق سُبل الفساد، وترسيخ البيروقراطية السلطوية، وإعاقة الاستثمارات الوطنية والأجنبية، ما ضيّع على الناس فرص العمل، وزاد في نسبة الفقر في شمال وشرق سوريا التي أُطلق عليها المناطق المنسية.
الجدير ذكره أن محاولة استقلال إقليم كردستان/ العراق عام 2017 عن حكومة العراق عبر الاستفتاء في الإقليم، يجري الاستناد إليها، لوضع عراقيل إضافية بوجه أي مشروع للتحرّر من المركزية في سوريا، رغم مشروعيته أو “أحقيته” وتنامي الحاجة له، لوضع حد للواقع الذي يعيد إنتاج الهيمنة، وتالياً الاستبداد.
هذه المخاوف وتصاعدها، مع حملة تشويه المقاصد من خلفها، جعلت تداول مصطلح “اللامركزية” يطفو على الوجه من جديد، في خضم الجدالات السياسية بشأن شكل سوريا الدولة بعد نظام البعث.
إلى ذلك؛ فإن الجمود في التعامل مع المصطلح كصورة ثابتة تنفيه تجارب الدول الفيدرالية، كبيرها وصغيرها، ففيدرالية الولايات المتحدة ليست كفيدرالية ألمانيا أو النمسا أو سويسرا أو بلجيكا أو حتى روسيا الاتحادية.
هذا الشكل الذي يمثل قوّة الدولة، وليس نقطة ضعفها، ما يتيح لنا، نحن السوريين، وعبر الحوار المجتمعي والسياسي، أن نعزّز وجود نموذج سوري يكفل ابتعادنا عن المركزية، ويضمن فرصاً تنموية لكل المساحات السوريّة من مبدأ اللامركزية التي تقرّرها الأطراف المحلية.
كما إن الشكل السياسي المعتمد على اللامركزية الذي سيلاقي دعماً من المجتمع الدولي، في حال توافق السوريون عليه، سيكون مفتاح مستقبل سوريا الذهبي؛ حيث ينعم المركز والأطراف بالرفاه على قدمٍ المساواة دون إقصاء.
في الختام؛ يبقى التساؤل عن شكل سوريا الجديدة سيد الموقف؛ بينما يذكر إنه مهما كان مدى اتساع اللامركزية المطلوبة، إلا أنّ مؤسسات المركز تبقى هي المرتكز في إنفاذ وصياغة أية عمليات لامركزية، وهناك الكثير من التجارب التي توضح أنّ قوّة الدولة المركزية واحترام القانون وتنفيذه، هي المفتاح الأساسي للذهاب إلى لا مركزية ناجحة تحقق بناءً لهوية وطنية وديمقراطية مستمرة.