رفيق إبراهيم
فرنسا من الدول الأوروبية الكبيرة التي تلعب دوراً بارزاً في أحداث المنطقة وسياساتها، وأيضاً على صعيد حلف الناتو، وهي الحليف الأساسي للولايات المتحدة في محاربة الإرهاب في سوريا، وفي الكثير من الأحيان تتعارض سياساتها مع السياسة التركيّة في سوريا، وفي الآونة الأخيرة وبعد سقوط النظام في دمشق، تحاول تركيا لعب الدور المحوري في سوريا المستقبل، ولعل زيارة وزير الخارجية التركي حقان فيدان على اعتبارها كزيارة لأول وزير خارجية دولة لدمشق، تؤكد التدخّل التركي السافِر في شؤون سوريا.
التأكيد على عدم التدخّل في سوريا
وبالتوازي مع ما تعمل عليه تركيا، خرجت تصريحات فرنسية بدءاً من الرئيس مانويل ماكرون، وصولاً لوزير الخارجية والدبلوماسيين الفرنسيين، تدعو لأن يترك للسوريين حريتهم في تقرير مصيرهم، وبخاصةٍ فيما يخص الكرد السوريين، حيث طالبت فرنسا بكلِّ وضوح، بإشراك الكرد السوريين في عملية الانتقال السياسي ووضع الحلول النهائية للأزمة السورية، على الرغم من حساسية هذه المسألة لدى تركيا التي تعادي حتى ولو الحديث عن الكرد ودورهم في سوريا المستقبل.
الاهتمام الفرنسي بسوريا يمتد لعقود طويلة، حيث أن سوريا كانت تتبع فرنسا بعد سقوط السلطنة العثمانية البائدة، ومن الواضح اليوم أن فرنسا وبمباركة أمريكية أوروبية، تحاول إعادة لعب دورها من جديد في سوريا، وبخاصةٍ أن تركيا تحاول أن تكون الوصي على سوريا كي تتدخّل في كل شاردة وواردة، في حين أن السوريين تخلصوا من الوصي الإيراني الروسي المزدوج، لتأتي تركيا وتحل محلهم وتستولي على القرار السوري، لمحاربة الكرد عبر الضغط على حكومة دمشق المؤقتة.
ويبدو أن الموقف التركي أغضب الفرنسيين ومن خلفهم الألمان والعديد من الدول الأوروبية، وبخاصةٍ أن تركيا تحاول من خلال مصادرة قرار دمشق، الهجوم على الكرد وشعوب شمال وشرق سوريا، وهي أعلنت صراحةً من خلال تصريحات مسؤوليها بأنها لن تقبل بوجود أي دور للكرد في سوريا القادمة، لكن الموقف الفرنسي وإشادتها بدور الكرد خلق توازناً في المواقف، وهي بذلك تقول لتركيا إن فرنسا لا يمكنها التخلي عن الكرد، ولا يمكن لتركيا وحدها أن تلعب دوراً في سوريا كما يحلو لها، وهذا الموقف الفرنسي تدعمه الولايات المتحدة الأمريكية، التي تحاول من جهتها تخفيض التوتر بين الكرد وتركيا، وحل المشاكل العالقة بينهم بالحوار والسياسة.
إيقاف الهجمات والمضي في طريق الحوار
وفي محادثة هاتفية بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وأردوغان أكد أنه يجب إيقاف الهجمات على مناطق الإدارة الذاتية، وقوات سوريا الديمقراطية، بل على العكس يجب أن تتعامل تركيا معهم على يكونوا جزءاً من عملية الانتقال السياسي في سوريا، ومن جانبه قال وزير الخارجية الفرنسي: “فرنسا تعمل على التوصّل إلى تفاهم بين تركيا والإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا”، وعلى الرغم من ذلك، تحاول تركيا سلب قرار السوريين، وأن تكون الفاعل الأول في الملف السوري، وهي ترى في المحاولات الفرنسية، على أنها قد تُحيد تركيا عن لعب دور حصان طروادة في سوريا.
حتى وأن أنقرة لا تحبذ عقد مؤتمر حول سوريا، يشارك فيه الأوروبيون والعرب، لأنها ترى فيه عقبة فيما تخطط له وبخاصةٍ في مسألة إعادة الإعمار، لذلك فإن أردوغان يسابق الزمن للذهاب إلى دمشق على رأس وفد كبير لاستغلال الأوضاع، وكسب هذه الورقة في أسرع وقتٍ ممكن، لأنها بالنسبة له أهم الملفات التي يعمل عليها أردوغان لإخراج الاقتصاد التركي من حالة الركود الكبيرة، وإرضاء الشارع التركي.
في الأيام الماضية زار وفد فرنسي دمشق والتقى مع إدارة هيئة تحرير الشام، ومع أن الزيارة لم تخرج عن المألوف، إلا أن الدبلوماسيين الفرنسيين أكدوا على أنها زيارة إيجابية، وتم من خلالها التأكيد على ضرورة مشاركة جميع السوريين في مستقبل سوريا، وأوضح الوفد أن الحكومة الفرنسية ستراقب الأوضاع في سوريا عن كثب، وبخاصةٍ الأعمال التي ستقوم بها إدارة هيئة تحرير الشام، وعلى أساسها ستتحرك في المراحل المقبلة.
فرملة الأطماع التركيّة التاريخيّة في المنطقة
التدخّل التركي السافِر في الشؤون السورية، محل انتقاد من الأوروبيين والولايات المتحدة الأمريكية، وبخاصةٍ من الفرنسيين، وهي أعلنت صراحةً أنه لا يجوز لتركيا التفرد باستلام زمام الأمور في سوريا، على اعتبار أن فرنسا لها علاقات تاريخية مع سوريا، وأيضاً وهذا هو الأهم الوقوف في وجه الأطماع التركية والحد من طموحها الإقليمي للتمدد في سوريا والعراق.
وقد يكون لها أهدافاً أخرى توسعية في المنطقة، وبخاصةٍ أن فرنسا تعارض دائماً الدور التركي في المنطقة، وفي الوقت حينه تعمل تركيا على التوسع في الدول الإفريقية، وطورت علاقاتها مع العديد من الدول هناك، رداً على التواجد الفرنسي، وبكل تأكيد فرنسا ستلعب دوراً كبيراً في استقرار سوريا في الأيام القادمة، والرئيس الفرنسي أكد ذلك، وأيضاً كان للبرلمان الفرنسي وقفة تُحسب له في آب الماضي، عندما استنكر مئة برلماني الهجمات التركية على مناطق شمال وشرق سوريا، وطالبوا بالحماية الدولية لشعوبها.
تركيا تحاول القيام بكل ما هو ممكن للحصول على أكبر المكاسب في سوريا، وبخاصةٍ إن هناك استلام وتسليم للسلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي ستعمل على استغلال الأيام القليلة القادمة قبل تسلم ترامب لمقاليد الحكم، في تحقيق أجنداتها، ورغم رفض المجتمع الدولي لهجماتها على شعوب شمال وشرق سوريا، إلا أنها تسعى للتوسع في المنطقة لأن أطماعها التاريخية والأوضاع غير المستقرة في سوريا، وحسب تقديرها تساعد في الحصول على أكبر قدر ممكن من الكعكة السوريّة، ولكن، هل ستستطيع تركيا تحقيق غاياتها في سوريا، وبالشكل الذي تُريد؟ أم سيكون هناك فرملة أمريكية فرنسية لإيقاف أحلامها وأطماعها وتوسعها في المنطقة.