د. طه علي أحمد
تدخل عمليةُ إعادة بناء الدولة في سوريا مرحلةً حاسمةً، لاسيما مع إعلان السلطة الحاكمة نيَّتها لمنحِ الجنسية السوريّة للعناصر الأجانب الموجودين في صفوف الجماعات التي ساهمت في القتال ضد نظام حكم حزب البعث مثل “هيئة تحرير الشام” وغيرها، غير أن ذلك لا يخلو من التحديات الاستراتيجية التي تواجه عملية بناء الدولة في سوريا الجديدة.
ولا يعد تجنيس الأجانب أو توظيفهم لأغراضٍ عسكريةٍ وسياسيةٍ أمراً مُسْتحدثاً في السياسةِ العالمية؛ فقد عرف التاريخ ظاهرة “الفرقة الانكشارية” المتجذِّرة في الممارسات العسكرية العثمانية منذ تأسيسها على يد السلطان أورخان بن عثمان (1288م – 1360م)، والحال نفسه تعيشه حالياً مناطق أخرى بالشرق الأوسط مثل العراق حيث يُسهم وجود المقاتلين الأجانب في صفوف “الحشد الشعبي” في تعميق النفوذ الإيراني، وأيضاً الحالة الليبية التي تتجذَّر فيها الإشكالية نفسها.
وربما يرتبط تجنيسُ الأجانب بمساعي السلطة المستفيدة من وجودها في تفادي تسليمهم للقضاء في دولهم الأصلية حيث تجري ملاحقتهم على إثر تورُّطِهم في قضايا تتصل بالأمن الداخلي لهذه الدول، كما قد ينطوي ذلك على محاولات للإفلات من التعقُّب الدولي لهؤلاء المقاتلين؛ لاسيما وأن بعضَهم مدرجٌ في قوائم الإرهاب الدولية لعددٍ من الدول.
غير أن دمج العناصر الأجانب ضمن الهياكل المدنية وإخفاء هوياتهم الحقيقية قد ينطوي على تحدياتٍ قانونيةٍ وأمنيةٍ واستراتيجيةٍ تواجه الدولةَ السوريّة مُستقبلاً؛ ولاسيما فيما يتصل بالوضع الديمغرافي والسياسي، بل والأوضاع الإنسانية المُتفاقمة مع معاناة السكان المحليين من ممارسات المرتزقة الأجانب ضدهم. ورُغْم أن الإرادة السياسية للسلطةِ الحاكمة – حالياً – سوف تدفع نحو التغلُّبِ على هذه الصعوبات، وقد يتعزَّز ذلك أيضاً بالدعم التركي الواضح، لكن ذلك لن يعدو كونه تسكيناً مرحلياً ومؤقتاً.
غاية القول؛ فإن منطق “رد الجميل”، المتمثل في منح هؤلاء الأجانب الجنسية السوريّة مكافأةً لهم على مشاركتهم في القتال ضد نظام الأسد من شأنه أن يخلق شكلاً جديداً من الطائفية التي تُعَمِّق الخَلَل الديمُغرافي الذي تكرَّس في بعض المناطق السوريّة، وبخاصةٍ تلك الواقعة تحت النفوذ التركي خلال السنوات الأخيرة، كما تُسهم في تغيير بِنْيَةِ النُخبة الحاكمة من خلال خَلْق مراكزٍ جديدةٍ للقوى موالية لأطراف خارجية الأمر الذي ينعكس على اتجاهات صنع القرار بداخل مفاصل الدولة مستقبلاً، ولا شك أن ذلك قد ينطوي على تحدياتٍ أمنيةٍ من خلال الأجندات المتعارضة لهذه القوى، لاسيما مع مساعي أنقرة “المُنتَشية” لتمديد نفوذها في الداخل السوري، وكذلك طهران “الجريحة” التي تسعى لأن يكون التراجع الذي أصاب نفوذها بسقوط نظام الأسد مؤقتاً؛ وهنا لا يمكن تجاهل تصريح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأن: “من يعتقدون حالياً بتحقيق انتصارات مؤكدة، لا ينبغي لهم أن يفرحوا قبل الأوان”، وعليه فمن غير المتصور أن تنجح عملية بناء الدولة في سوريا الجديدة ما لم تتحقق بأيدي السوريين أنفسهم مهما كانت تنوعاتها العرقية والمذهبية، المهم أنها “وطنية خالصة”.