No Result
View All Result
المشاهدات 45
ثلاثمائة وثلاثون يوماً للتاريخ
دجوار أحمد آغا
الكرد ولأول مرة في التاريخ الحديث، يعلنون تأسيس جمهورية كردية في جزء من مناطق شرق كردستان (روجهلات) تحت اسم جمهورية كردستان الديمقراطية. هذه الجمهورية الفتية لم تدم سوى 330 يوماً، لكنها كانت كفيلة بأن تلهب مشاعر الكرد في أجزاء كردستان الأربعة، لا بل الخمسة إن صح التعبير. (وجود جزء من كردستان محتل من جانب أذربيجان وموضع صراع بينها وبين أرمينا ونقصد مناطق قره باخ، ناختشيفان ولاجين الكردية، والتي كانت قد أُسِّست فيها أيام لينين كردستان الحمراء التي استمرت من عام 1923 إلى 1929).
رغم الحضارة العريقة التي أقامها أسلاف الكرد من إمبراطوريات وممالك، (الهوريون، الميتانيون، الكاردوخ، والميديون)، الى دويلات كردية في العصر الوسيط (الحسنوية، العنازية، المروانية) وصولاً الى إمارات ذات شأن كبير وصلت بها الأمور إلى صنع المدافع وصك العملة (البابانية، البوتانية، الأردلانية، اللورية، وإمارة محمد باشا الراوندوزي)، إلا أن الكرد في العصر الحديث، لم يستطيعوا سوى بناء جمهورية في جزء من شرق كردستان، ولم يستطيعوا الحفاظ عليها. و”لعل وعسى” أن يستفيدوا من الدروس التي مر بها أسلافهم وأن يحافظوا على ما تم تحقيقه من حقوق مشروعة بدماء عشرات الآلاف من الشهداء في سائر أجزاء كردستان وعلى وجه الخصوص باشور، وروج آفا.
الظروف الدولية الملائمة
الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) كانت كارثة على سائر شعوب العالم ومن ضمنها بطبيعة الحال الشعب الكردي، لكن في الوقت نفسه، كانت فرصة مهيئة ومناسبة للكرد وخاصة في روجهلات كردستان (شرق كردستان) من أجل الحصول على حقهم في الحياة الحرة الكريمة، وفق ما يرونه مناسباً، وذلك لأن السلطة المركزية في طهران كانت قد ضعفت، وكانت القوات الإنكليزية موجودة في جنوب ايران، بينما دخلت القوات السوفياتية مناطق أذربيجان وكردستان في الشمال؛ الأمر الذي ساعد الشعبين على القيام بإعلان جمهورية أذربيجان الشعبية في تبريز بقيادة جعفر بيشاوري، وجمهورية كردستان الديمقراطية في مهاباد بقيادة القاضي محمد.
الظروف الداخلية المناسبة
الكرد في روجهلات كردستان، كانوا قد انتفضوا مع الثائر سمكو آغا شكاكي في مواجهة القوات الإيرانية والإنكليزية على حد سواء ولسنوات عديدة. وكانت الحركة القومية والوطنية الكردية في تصاعد مستمر خاصة مع نشاط الجمعيات والنوادي الثقافية والسياسية في روجهلات وباشور كردستان، حيث عاد الكثير من زعماء القبائل الكردية الذين شاركوا في الانتفاضات والثورات الكردية السابقة. من جملة القوى التي شاركت كانت (كومله، خويبون، وهيفي)، حيث أعلنوا عن تأسيس جمعية “إحياء كردستان” (كومل هجياني كردستان) عام 1943، وصولاً فيما بعد الى تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني 1945. لذا كانت الظروف الذاتية نوعاً ما مهيأة لقيام الكرد بإعلان تأسيس جمهورية تشمل مناطق مهاباد العاصمة بالإضافة الى مناطق (سقز، أشنوه، بوكان، نغده، بيرانشهر، ماكو). بينما كانت مدن (أورميه وخوي، سلماس) موضع تنازع بين الكرد والأذريين فيما كانت (سنة، كرمنشاه، همدان) في الجنوب خاضعة للنفوذ الإنكليزي.
إعلان الجمهورية
بتاريخ 22/1/1946 وفي ساحة “جارجرا” أي المصابيح، أو القناديل الأربعة، وبحضور العديد من رؤساء القبائل الكردية والضباط الكرد ومجموعة من البرزانيين بقيادة الملا مصطفى البارزاني، أعلن القاضي محمد تأسيس جمهورية كردستان الديمقراطية وتم رفع العلم الكردي المكون من اللون الأحمر في الأعلى ، ثم الأبيض، وبعدها في الأسفل الأخضر وفي وسط الأبيض شمس صفراء لها 21 شعاعاً يحيط بها سنبلتي قمح، مع قلم، وتقديم التحية له وسط عزف النشيد القومي الكردي “أي رقيب” الذي كتب كلماته الشاعر الكردي الثائر يونس رؤوف “دلدار” في السجن سنة 1938 وقام بتلحينه حسين برزنجي.
330 يوماً عاصفاً في حياة الكرد
شكّل القاضي محمد حكومة برئاسة حاجي بابا شيخ مؤلفة من 14 وزيراً وبدأت المطبعة الوحيدة في الجمهورية بطباعة الوثائق السياسية، والكتب المدرسية بالإضافة إلى إصدار الصحف والمجلات. كانت مؤسسات الجمهورية مثل خلية النحل تعمل ليل نهار من أجل خدمة الشعب وتحقيق العدالة وحماية الجمهورية وسكانها. التعليم كان مجاناً ومتاحاً للنساء أيضاً، كما تم افتتاح إذاعة للجمهورية بالإضافة إلى تشكيل جيش من البيشمركة لحماية الجمهورية. وتم بناء دار أوبرا هذا الفن النبيل كما تم تأسيس اتحاد نساء كردستان للمساهمة والمشاركة في بناء الجمهورية بمشاركة من زوجة القاضي محمد وبناته في المقدمة. يُسجّل لقادة الجمهورية وعلى الرغم من عمرها القصير، عدم اعتقال أي شخص بسبب آرائه ومعتقداته السياسية.
أسباب الانهيار والسقوط السريع
باختصار شديد؛ كانت هناك ظروف خارجية وأخرى داخلية أدّت الى الانهيار السريع وسقوط الجمهورية. أما الأسباب الخارجية فتعود بالدرجة الأولى إلى تقاطع المصالح السوفياتية مع البريطانية والإيرانية عبر السماح للسوفييت بالوصول الى المياه الدافئة مقابل سحب الدعم من جمهوريتي أذربيجان وكردستان. أما الأسباب الداخلية فهي متعددة يمكن أن نجملها بما يلي:
ـ الأمية التي كانت منتشرة بشكل شبه كامل بين المجتمع الكردي بنسبة وصلت الى 90%.
ـ أعضاء الحكومة المشكّلة جلّهم من زعماء القبائل والإقطاعيين الكرد، وقد تخلّوا فيما بعد عن الجمهورية وقادتها من آل القاضي (القاضي محمد، سيف قاضي، حسين قاضي) وتركوهم للمشانق.
ـ الجمهورية كانت على ما يقارب 30 % فقط من أراضي روجهلات كردستان ولم تسعَ سلطات الجمهورية إلى التمدد للمناطق المتبقية.
ـ ضعف الاقتصاد في الجمهورية سواء الإنتاج الزراعي وكذلك القطاع الصناعي.
وهناك الكثير مما يمكن أن يكتب عن أسباب السقوط السريع، لكننا نكتفي بذكر هذه الأسباب.
نهاية الجمهورية الفتية
السابع عشر من كانون الثاني 1946 وصلت قوات الجنرال الإيراني “همايوني” إلى مهاباد في ظل انسحاب السوفييت من المنطقة وسقوط جمهورية أذربيجان، وكان قرار الرئيس قاضي محمد البقاء مع مواطني الجمهورية وعدم الهروب. بعد عدة أيام، تم اعتقال الرئيس وعدد من قادة الجمهورية وتم تحويلهم إلى طهران. وتم إجراء محاكمة سريعة عسكرية وغير عادلة، وتم الحكم بالإعدام على الرئيس وأخيه وابن عمه، ونُفذ الحكم في 31 آذار 1947 وبذلك أُسدل الستار على جمهورية كردستان الديمقراطية من جانب القوى الإقليمية والعالمية المتآمرة على الكرد وقضيتهم العادلة، لكنها بقيت شعلة متّقدة في عقول وقلوب الملايين من الكرد في مختلف بقاع العالم.
No Result
View All Result