روناهي/ تل حميس ـ انخفاض في الطلب على المواشي وركود تجارتها في مدينة تل حميس، أوجد ظاهرة اقتصادية لها أبعاد متعددة، فيما أكد مربو الثروة الحيوانية أن هذا الانخفاض يهدد استدامة تربية المواشي في المنطقة.
تعتمد حياة الأرياف في إقليم شمال وشرق سوريا، وفي سوريا عموماً على ما تنتجه الأرض، وما يربي أهلها من الحيوانات المنزلية المختلفة، فوجِد ارتباط بين السكان والأرض والحيوان، وغالبا ما يكون المطر والكلأ مصدر هذا الارتباط، لهذا عمد الناس في منطقة تل حميس إلى تجارة المواشي والاهتمام بها من جهة توفير فرص عمل معيشية، ومن جهة أخرى تجارة يلجؤون إليها لتوفير الاكتفاء الذاتي من الألبان واللحوم، والصوف لكثير منهم.
شهدت أسواق المواشي في منطقة تل حميس انخفاضاً ملحوظاً في الأسعار خلال الآونة الأخيرة، ما أثار تساؤلات للمربين المحليين، فضلاً عن تأثيره على حركة السوق بشكلٍ عام، فهذا الانخفاض في الطلب على المواشي وركود تجارتها، أحدث ظاهرة اقتصادية لها أبعاد متعددة، وتستدعي تحليل نتائجها المحتملة على مستوى الأفراد والسوق بشكلٍ عام.
قلّة الطلب…
لكننا إن حاولنا تحليل هذا الانخفاض، وقلة الطلب على المواشي بشكلٍ عام، في منطقة تل حميس نجد أنه يعود إلى عوامل عدة، أبرزها تراجع الطلب المحلي لعوامل اقتصادية وضعف مردود الدخل عند الأهالي، وارتفاع تكاليف الإنتاج، بالإضافة إلى دخول منافسين جدد من مناطق أخرى بأسعار منافسة. علاوةً على ذلك، ساهمت عوامل طبيعية مثل قلة الأمطار في السنوات الماضية، وتأثيراتها على المراعي، ما يستدعي شراء أعلاف وهذا كله يؤثر سلباً على الحركة التجارية لأسواق المواشي، ويكون سبباً حقيقياً لعزوف الأهالي عن تربية المواشي والإكثار منها.
يُشكّل المربون المحليون في تل حميس شريحة أساسية في الاقتصاد الزراعي، حيث تعتمد أسر كثيرة على تربية المواشي لتوفير مصدر رئيسي للدخل، لكن مع الانخفاض المستمر للأسعار، يجد المربون أنفسهم مُرهقين أمام هذه التجارة التي قد تودي بهم إلى الإفلاس إن قلَّ الربح وركدت الأسواق، ما قد يؤثر على قدرتهم على تغطية التكاليف المرتفعة مثل الأعلاف والرعاية الصحية لمواشيهم.
تأثير انخفاض السوق على المربين
وبهذا الصدد زارت “صحيفتنا “روناهي” سوق الأغنام في المدينة، أو ما يسميها السكان المحليون “علوة الأغنام“، فالتقت بالمربي للثروة الحيوانية “عثمان الشاهين” والذي حدثنا: “لم أعد أستطيع تغطية نفقات تربية المواشي، لأن أسعار السوق لم تعد توازي التكاليف التي أتحملها، وهذا يؤثر على عملي بشكلٍ كبير”.
وتابع: “وبالرغم من أن انخفاض الأسعار قد يكون مفيداً للمستهلكين في المدى القصير، إلا أنه قد يؤدي إلى تراجع الإنتاج المحلي على المدى الطويل؛ إذا استمر هذا التراجع في الأسعار، ما يهدد استدامة تربية المواشي في المنطقة”.
انعكاسه على الأسواق
في التوازن بين العرض والطلب، فعندما تنخفض الأسعار بشكلٍ غير طبيعي، فإن ذلك قد يؤدي إلى تراجع الاستثمار في قطاع تربية المواشي، كما أن المربين الذين يعانون من خسائر قد يتجهون إلى تقليص أعداد مواشيهم، أو بيعها بشكلٍ سريع، وهذا بدوره يؤدي إلى انخفاض العرض في المستقبل وزيادة في الأسعار لاحقاً. لمواجهة هذا الوضع، يحتاج مربو الثروة الحيوانية في تل حميس إلى دعم من قبل الجهات المعنية موجه بشكلٍ خاص لتحسين قدراتهم الإنتاجية، سواءً من خلال توفير الأعلاف المدعومة أو تطوير تقنيات التربية. من الضروري أيضاً أن تتم مراجعة سياسات التسويق والدعم للمربين المحليين لضمان استقرار الأسعار وتوفير بيئة تجارية عادلة.
على المدى الطويل، يحتاج السوق إلى التوازن بين العرض والطلب من خلال تنظيم السوق بشكل أفضل، عن طريق وضع آليه للحركة التجارية بين الإقليم والدول المجاورة، فتوضع حاجة الإقليم من توفير المواشي التي تعد لتوفير اللحوم اللازمة للأهالي وتصدير الفائض بطرق مدروسة ذات قيمة تجارية، ومراقبة استيراد المواشي من المناطق الأخرى حتى لا يصبح الفائض كبيراً وهذا كله يؤدي إلى حركة تجارية إيجابية للمواشي، وإقبال المربين على تربية المواشي التجارة بها، وتشجيع الإنتاج المحلي المستدام الذي يضمن تلبية احتياجات السوق دون التأثير على دخل المربين.
وفي الختام، إن سكان الجزيرة عموماً هم سكان إنتاج منذ أن خُلقت الحياة يعتمدون بشكلٍ أساسي، على ما تنتجه الأرض وما يربون من الأنعام المختلفة، لأن هذه المنطقة منطقة زراعية رعوية خصبة توفر لهم ولمواشيهم الدخل الكبير والحياة الاقتصادية الآمنة. لذلك؛ يجب الأخذ بعين الاعتبار هذا الجانب، وخاصةً أن أهل الجزيرة هم ماهرون في الجانب الرعوي وعلى علم ودراية بمناخ المنطقة حتى تحافظ المنطقة على طبيعتها التي عاشوا عليها منذ قرون، وهذا يخلق توازناً بيئياً واقتصادياً بين المربي، والطبيعة، والحيوان.