الشهباء/ فريدة عمر – سجلت المناطق المحتلة، من إقليم شمال وشرق سوريا، أرقاماً صادمة، لحالات العنف الممارس بحق المرأة على مختلف الأوجه، على أيدي الاحتلال التركي والمرتزقة التابعة له، والتي تندرج جميعها ضمن إطار جرائم حرب حسب القوانين الدولية، فهل من حسيب لذلك، وإلى متى ستعيش المرأة في كنف العنف هنالك؟
لا يمكن أن يمر يوم واحد، دون سماع أخبار تتحدث عن العنف ضد المرأة، وحينما نذكر كلمة العنف، لا نعني فقط العنف الجسدي سواءً بالضرب وغيره، حتى ولو كان هذا رائجاً جداً، لا بل نقصد العنف بأوجهه كافة، اللفظي والنفسي وغيره، وبالطبع تفاقمت حالات العنف مع العديد من الأسباب، التي حفزت انتشارها، الحروب والصراعات المستمرة.
ففي سوريا، لقد أثّر الصراع السوري على النساء والفتيات في عموم البلاد، فكان للمرأة النصيب الأكبر من هذا الصراع، فإن لم تقتل، أو فقدت زوجها وأولادها أو أحد ذويها، عاشت في فقر وتهجير.
في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، كانت المرأة الكردية قد تبوأت في أماكن مناسبة سياسية، وعسكرية وفي الميادين كافة، ونجحت في تطبيق حماية قانونية أقوى لحقوق المرأة، لصون دورها في المجتمع، لكنها لم تسلم من هجمات الاحتلال التركي، أو في جرائمه في المناطق التي احتلها، حيث تواجه المرأة فيها لحد الآن التمييز والتحرش والاعتداء وانتهاكات أخرى.
عفرين المحتلة بؤرة للعنف ضد المرأة
تعدّ ظاهرة العنف، من الظّواهر السيّئة المنتشرة في بعض المناطق من العالم، وقد تغلغلت هذه الظاهرة السلبيّة في عددٍ من المجتمعات، حتّى في أكثرها سلاماً وأمناً، نظراً لما واكبه العصر الحديث من مستجدّات وتطوّرات على الأصعدة كافة، فأصبحت الأمور مهيّأة أكثر لتحوّل العنف إلى ظاهرة اجتاحت العديد من المناطق، في أشكال عديدة ومتنوعة، مثل “العنف اللفظي، والجسدي، والنفسي”، حيث يكون النظام الأبوي سبباً قوياً لها.
فإذا تعمقنا أكثر في المناطق السورية المحتلة، من الاحتلال التركي ومرتزقته، سنجد صورة واضحة لأشكال العنف، التي تحدثنا عنها، فحالات القتل والاختطاف، والاغتصاب الجنسي، باتت جزءًا لا يتجزأ من حياة النساء هنالك، تلك الحالات التي باتت تحدث في مشاهد الرعب والخوف وبكثرة، وفي عفرين المحتلة على وجه الخصوص.
حيث أن العديد من الجهات وثقت، هذه الانتهاكات بشكل يومي، منها إحصائية منظمة حقوق الإنسان عفرين -سوريا، والتي وثقت 842 امرأة تعرضت للعنف بأشكاله المختلفة، منذ بداية الاحتلال التركي لمنطقة عفرين ولحد إعداد هذا التقرير، من بينها 121 حالة قتل، و575 حالة اختطاف، و137 اعتداءً جنسياً، وعشر حالات انتحار.
روايات على لسان ناجيات من عفرين المحتلة
ومن هذه القصص، قصة “س. ب”، وعائلتها، التي رفضت الكشف عن اسمها “لدواعي أمنية”، في ناحية بلبل، التابعة لمقاطعة عفرين المحتلة، والتي خرجت من عفرين في شهر أيلول من هذا العام المنصرم: “في عفرين، لا يمكن أن يذهب يوم، دون أن يرتكب فيه الاحتلال التركي ومرتزقته جريمة وحشية، وتحديداً بحق المرأة، بالخطف والقتل، والتحرش الجنسي، والزواج القسري، فإحدى الفتيات، واسمها “فالتينا”، رفضت الزواج من عنصر من المرتزقة، فهددوا ذويها بقتلهم أو الزواج منه، وفي حالة أخرى اغتصاب فتاة قاصر تبلغ من العمر 13 عاماً”.
وفي قصة أخرى، قصة “م. ع”، رفضت الكشف عن اسمها، خوفاً على طفلتيها المتبقيات هنالك، وهي أمٌ لطفلتين، تنحدر من قرية /جقماقة/، التابعة لناحية راجو، والتي خرجت من مدينة عفرين المحتلة، خلال العام المنصرم، حيث اعتقلت مرتين، على يد مرتزقة السلطان مراد، وبقيت في التحقيق لساعات طويلة، بحجة أن زوجها يمتلك سلاحاً: “زوجي لا يفرق كثيراً عنهم، فانضم إلى المجموعات المرتزقة، وتزوج امرأة من عوائل المرتزقة، كان يضربني بشكل يومي، فكل امرأة تتعرض للتعذيب هنالك”.
أما عن قصة، /ف. م/، وهي أم لثلاثة أولاد، وتقطن مخيم سردم، بعد أن نجت من جرائم المحتل التركي في عفرين المحتلة: “في البداية اعتقلوا أبناء لابن عمتي، ثم اختطفوا ابنتي الصغرى، وقد تعرضوا للضرب والتعذيب، كما اعتقلوا ابنتي الكبرى مرتين، واُختُطفت أنا وابني أيضاً مرتين، وتعرضنا للتعذيب لثماني ساعات بحجة أخذ إفادتنا، واختطفوا امرأة أخرى مع ابنتي، ومارسوا شتى أنواع التعذيب بحقهم؛ ما أدى إلى مقتل المرأة، ومصير ابنتي لا زال مجهولاً، ولا نعلم عنها شيئاً، وحسب معلوماتنا، أنها محتجزة في سجن /ماراته/، فطلبوا منا فدية مالية كبيرة مقابل إطلاق سراحها”.
فارقت الحياة في حسرة العودة لمنزلها
كثيرة هي الروايات والأحاديث الشاهدة على ما تعانيه المرأة في عفرين المحتلة، ومنها قصة “ملك خليل إيبو” 63عاما”، من قرية علي جارو التابعة لناحية بلبله بريف مدينة عفرين المحتلة، والتي استولى أحد عناصر “صقور الشمال” على منزلها، ولم تفلح جميع محاولاتها باسترداد منزلها، حيث عادت بعد ثلاث سنوات، إلى مسقط رأسها وفارقت الحياة ومعها غصة حسرة العودة إلى منزلها.
ملك إيبو، فارقت الحياة، لإصابتها بجلطة دماغية، بعد أن تلقت تهديدات من عناصر في لواء صقور الشمال، بعد رفعها دعوى تطالب فيها باستعادة منزلها، وحقول أشجار الزيتون التي تملكها في قريتها “علي جارو”. لكن؛ المستولي على منزلها وأملاكها والذي يدعى “أسمر أبو العز”، هو المسؤول الأمني والاقتصادي في لواء صقور الشمال، فقد أذاقها قهرا مضاعفاً وهددها بالقتل لإرغامها التخلي عن حقوقها، والذي تسبب في تدهور حالتها الصحية إلى أن أصيبت بالجلطة، وفارقت الحياة، وكانت وصيتها الأخيرة والوحيدة لأولاها، بأن ينقل جثمانها إلى منزلها قبل أن يوارى الثرى، ويدور فيها في أرجاء منزلها، وبتدخل من وجهاء القرية، نفذت وصيتها.
انتفاضة نساء قرية كاخرة
بتاريخ 16 أيلول من العام الجاري، احتجت مجموعة نساء من قرية كاخرة، التابعة لناحية موباتا بريف عفرين المحتلة، على خلفية الأعمال التعسفية لمرتزقة الاحتلال التركي، والتي فرضت إتاوات ومبالغ مالية ضخمة على مزارعي الزيتون في القرية، وصادرت ممتلكات الأهالي غير المقيمين “أي ممن خارج المنطقة”، وتهديد الأهالي ممن يرفضون دفع الإتاوة بالخطف والضرب.
وعلى خلفية هذا الاحتجاج، داهمت فرقة العمشات التظاهرة وأطلقت الرصاص على المتظاهرات، وكانت الصور والمقاطع التي نشرت من القرية كافية بأن توضح ما تتعرض له النساء من عنف.
وهذا جزء بسيط من الانتهاكات التي تتعرض لها نساء منطقة عفرين على مدار أكثر من ستة أعوام من الاحتلال، وهنالك الآلاف من الروايات، من العنف الممارس في مدينة عفرين.
جرائم حرب.. من المسؤول؟
بحسب لجنة التحقيق الدولية، فإن الانتهاكات المرتكبة بحق النساء في عفرين تندرج ضمن جرائم الحرب. وتؤكد الإدارية في منظمة حقوق الإنسان عفرين – سوريا “زينب سليمان” ذلك: “وفقاً للقانون الجنائي الدولي واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، فإن الإخفاء القسري، الاعتقال التعسفي، حجز الحريات، وطلب الفدية، إبان النزاعات المسلحة، كلها تندرج ضمن جرائم حرب، وهذا ما تشهده مدينة عفرين المحتلة بشكل يومي”. وفي كل مرة تحدث فيها جرائم في المنطقة، يلقي الاحتلال التركي مسؤولية ذلك على المرتزقة بهدف التهرب من جرائمه، حول ذلك حملت زينب تركيا المسؤولية: “تركيا بصفتها الحاكم الفعلي للمنطقة، كذلك الائتلاف الوطني السوري باعتباره المظلة السياسية للمجموعات المسلحة ضمن الجيش الوطني السوري، إضافةً لمتزعمي هذه المجموعات، كلهم يتحملون مسؤولية الجرائم والانتهاكات التي تحدث بشكل يومي في عفرين المحتلة”.
على المجتمع الدولي القيام بواجبه
وحول عمليات التغيير الديمغرافي والانتهاكات التي تحدث، حذرت زينب من المخاطر المستقبلية في ذلك: “مدينة عفرين كانت تعرف قبل الاحتلال، بتاريخ وثقافتها الكردية الأصلية، إلا أنه وبعد الاحتلال وبعد عمليات التغيير الديمغرافي التي تقوم بها تركيا والمجموعات التابعة لها، تنذر بمخاطر حقيقية على مستقبل المنطقة وسكانها الأصليين بما فيهم النساء، وعلى المجتمع الدولي ألا يقف متفرجاً على ما يحدث بل القيام بواجبه وبشكل فوري وطارئ”.
وفي ختام حديثها، وبالتزامن مع اقتراب اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، أكدت الإدارية في منظمة حقوق الإنسان عفرين – سوريا “زينب سليمان”، إن المرأة في عفرين المحتلة تواجه أشكال العنف، ويجب العمل لخلاص المرأة: “على الرغم من أن جميع الجهات المعنية، وعلى مدار أكثر من ستة أعوام من احتلال مدينة عفرين، توثق كل الجرائم، التي تحدث بحق المرأة، لذلك وبالتزامن مع قدوم اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، هنالك ضرورة العمل من الحركات النسوية، في الداخل والخارج، بإيلاء الأهمية لوضع النساء في المناطق المحتلة”.
ومن الجدير ذكره، أن مقاطعة عفرين، احتلت بتاريخ 18 آذار من العام 2018، من قبل الاحتلال التركي والمجموعات المرتزقة التابعة له، ومنذ ذلك الحين وتعاني المنطقة أبشع جرائم الإبادة، والتي تندرج حسب القوانين الدولية إلى جرائم حرب، وسط صمت المجتمع الدولي والجهات المعنية.