روناهي/ حمزة حرب ـ في غياب محاسبة دولية تستمر دولة الاحتلال التركي بممارسة الانتهاكات في المناطق المحتلة، ووفقاً لمصلحتها تنفذ عمليات تصفية بحق مرتزقة تابعة لها، لتبقى متحكمة بها أكثر كذراع لها، مما يكشف ً حجم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة هناك، والتي عدها الناشط الحقوقي والمدير التنفيذي لمنظمة حقوق الإنسان في عفرين إبراهيم شيخو بأنها تحصل وفق نظام روما لعام 1998.
حالة الفوضى في المناطق المحتلة، أصبحت حالة اعتيادية، وباتت صراعات المجموعات المتطرفة والمرتزقة، أبرز ما يميز الواقع العسكري والأمني في تلك المناطق، إلا أنها في بعض الأحيان تبدو كفوضى مفتعلة، وقد تكون العديد من الجهات ومجموعات من المرتزقة خلف هذه الفوضى وافتعال المواجهات، فالكبرى منها تخشى من أن تضعف نفوذها وتهيمن مجموعات مرتزقة أخرى، لدى قيام أي هجمات تركية جديدة، علماً أنه في المحصلة يتم تنفيذ مخططات الاحتلال التركي على الأرض رغم الانتهاكات التي ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
انتهاكات موثقة من جهاتٍ دولية إنسانية
“كل شيء بقوة السلاح”: الانتهاكات والإفلات من العقاب في مناطق شمال سوريا التي تحتلها دولة الاحتلال التركي، وحسب تقريرٍ صادرٍ عن “هيومن رايتس ووتش” قبل بضعة شهور يقيّم الحالة المعاشة في المناطق المحتلة، فالتقرير الصادر في 75 صفحة، وثق عمليات الاختطاف والاعتقال التعسفي والاحتجاز غير القانوني والعنف الجنسي والتعذيب من المجموعات المختلفة من المرتزقة في تحالف فضفاض من جماعات إرهابية، وهو ما يسمى بـ “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا، وكذلك ما تسمى بـ “الشرطة العسكرية”.
هذا الخليط المسلح من المرتزقة أنشأه الاحتلال التركي عام 2018 لذلك أكدت هيومن رايتس ووتش، أن المجموعات المرتزقة، ووكالات المخابرات التابعة للاحتلال التركي متورطة بشكل مباشر في تنفيذ الانتهاكات والإشراف عليها.
وثّقت هيومن رايتس ووتش أيضا انتهاكات الحق في كل من السكن والأراضي والملكية، بما فيها عمليات النهب والسلب الواسعة، فضلا عن الاستيلاء على الممتلكات والابتزاز، وفشل محاولات المساءلة في الحد من الانتهاكات أو تقديم تعويضات للضحايا.
كما يمارس الاحتلال التركي السيطرة والإشراف المباشرة على إرهابيي ما يسمى بالجيش الوطني بواسطة جيشه وأجهزة استخباراته، وتزويده بالأسلحة والرواتب والتدريب والدعم اللوجستي كما يمارس الاحتلال أيضا السيطرة الإدارية على المناطق المحتلة انطلاقا من الولايات التركية المتاخمة لسوريا. وإن المناطق المحتلة باتت مرتعاً لمتزعمي مرتزقة داعش فيسميها المحتل التركي بالـ “مناطق الآمنة” لكن المعطيات الميدانية توضح أنها مناطق كونترول وسيطرة مرتزقة داعش، التي تخطط وتنطلق بعملياتها الإرهابية منها وبغطاء من الاحتلال التركي.
والأكثر وطأة أن الاحتلال التركي نفذ عمليات إعادة قسرية للاجئين السوريين، منذ 2017 على الأقل، حيث اعتقلت سلطات دولة الاحتلال التركي واحتجزت ورحلت آلاف اللاجئين السوريين بإجراءات موجزة، وكثيرا ما أجبرتهم على التوقيع على استمارات العودة “الطوعية” وأجبرتهم على العبور إلى شمال سوريا المحتل عبر معابر حدودية مختلفة ليتم توطينهم مكان المهجرين قسراً من السكان الأصليين.
وبهذا السياق؛ تحدث لصحيفتنا الناشط الحقوقي والمدير التنفيذي لمنظمة حقوق الإنسان في عفرين إبراهيم شيخو: “مرتزقة ما يسمى بالجيش الوطني تمارس الجرائم اللاإنسانية بحق السكان الأصليين وخاصة الكرد في عفرين، وآخر هذه الانتهاكات فرض الأتاوات على السكان، ففي الخامس عشر من الشهر المنصرم بدأ فرض الأتاوات على جني محاصيل الزيتون قبل جنيه أصلاً”.
لم يعد مشهد الاقتتال بين مجموعات المرتزقة في الشمال السوري حالة استثنائية، بل تحول إلى نهج متبع على قاعدة الاسترزاق والصراع على الغنائم والمزايا، التي يمنحها الاحتلال التركي لقادة تلك المجموعات المرتبطة به، وعلى حساب السكان الأصليين وأرزاقهم وقوت يومهم ناهيك عن الجرائم المرتكبة بحقهم.
جبهة النصرة.. عصا تركيا الغليظة
ما تسمى بـ “جبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام حالياً” ذراع تنظيم القاعدة في سوريا، مثلها مثل أي تنظيم إرهابي، أداةٌ لتحقيق أجندة داعميها في سوريا، ومن خلال مجريات الصراع السوري، برز هذا التنظيم، لاعباً عسكرياً مهماً لداعميه، ممن راهنوا عليه كذراع عسكري قوي.
ومن المؤكد، أن العلاقة التي ترتبط بين التنظيم ودولة الاحتلال التركي، وقد ظهرت محطات مفصلية أكدت عمق هذه العلاقة، منذ بداية التمركز التركي في إدلب أيلول 2018، حين نشرت دباباته في منطقة الصرمان شرق إدلب برفقة عناصر “جبهة النصرة”، كخطوة تشير إلى الدعم المتبادل بين الطرفين. فمرتزقة “جبهة النصرة” لم تشكل أي معضلة لتركيا منذ بداية تأسيسها، رغم التهويل الإعلامي بضرورة حسم ملف التنظيم وتصنيفه كإرهابي، وقدرة تركيا على محاصرته، وقطع الدعم عنه، إلا أنها استمرت في دعمه، أسوة بباقي المجموعات من المرتزقة الموالية لها، والتي انتشرت تحت مسميات مختلفة كــ “الجبهة الوطنية” و”الجيش الوطني”…
الصراع المستمر بين “النصرة” والعديد من مجموعات أخرى متحالفة مع تركيا، وأظهرت نفسها على أنها المعارضة، مثل “أحرار الشام” وغيرها، أكد حالة الهمجية التي تعيشها جل المجموعات المرتزقة المدعومة تركياً، والتي تعيش بتشرذم كبير وهي عوامل منعت من أن تصبح تلك الفصائل حلفاء مؤثرين على الأرض، وبناء أي قاعدة اجتماعية.
ولبقاء السيطرة على هذه الحالة المتشرذمة كان لا بد لدولة الاحتلال التركي أن تعول على مرتزقة “جبهة النصرة” كحليف قوي لها في سوريا أكثر من غيره. فالاستخبارات التركية تربطها علاقات وثيقة مع متزعمي مرتزقة جبهة النصرة الذين هم أداة للترهيب، وتأديب المتمردين من مواليها والمجموعات الإرهابية الأخرى وورقة مهمة لتعطيل أي مسار لا يناسب تركيا لذا يمكن اعتبارها الذراع الأقوى وعصا أنقرة الغليظة التي تستخدمها في ردع كل من يفكر بالتمرد أو عصيان الأوامر التركية المباشرة وغير المباشرة.
الاقتتال المستمر بين هذه المجموعات من المرتزقة، حال دون تحقيق أي استقرار في تلك المناطق، وأدى إلى نشر الفوضى، وهو نتاج حتمي لعدم التوافق أو التنسيق بين تلك المجموعات، بالإضافة إلى ضعف الموقف الدولي بخصوص اعتداءاتها ومشاريعها التوسعية، التي تجريها على الأرض باحتلال المناطق السورية بالاعتماد على هذه المجموعات المرتزقة اللا وطنية، التي لم تنتج إلا الكثير من حالات التهجير والنزوح، وعدم الاستقرار الأمني في المناطق التي احتلتها أنقرة وحولت هذه المناطق إلى بؤر للنهب والسلب والفوضى وعدم الاستقرار.
اقتتالٌ بيني على المكاسب والأتاوات
وأمام هذه الأحداث، يبدو أن تركيا تبارك أحياناً هذا النوع من الفوضى، لتطلق مرتزقتها ضد أخرى ترفض الإذعان التام للأوامر التركية، كـمرتزقة “الجبهة الشامية” التي رفضت سابقاً سياسة أنقرة في تجنيد مرتزقة سوريين، وزجّهم في صراعات خارجية، كما عزلت أبرز متزعميها المقربين من تركيا، ممن كانوا يعملون على مهمة تجنيد مرتزقة، ونقلهم الى تركيا، مثل “أبو عمشة” قائد فصيل “سلطان شاه” لكن مع ذلك لا يبدو أن هناك شرخاً كبيراً، وربما الخلاف يكون على نسب الإيرادات غير المشروعة والتي تجنى على حساب السوريين.
شيخو علق على هذا الموضوع: “اقتتال داخلي بين هذه المجموعات الإرهابية ليس لخلافٍ عقائدي أو أيديولوجي إنما لخلاف على تقاسم الأتاوات أو مناطق السيطرة التي تدر عليهم المبالغ الطائلة من عائدات أشجار الزيتون أو المعاصر والمعامل أو المعابر، وهو ما يضيق العيش على السكان الأصليين حيث باتت مناطقهم أشبه بعيش الغابات، القوي فيها يأكل الضعيف وكل ذلك بغطاء من الاحتلال التركي”.
بالإضافة إلى ما ذكره شيخو، فإن هناك مشاكل أخرى تتعلق بمعبر باب السلامة، الذي تسيطر عليه مرتزقة “الجبهة الشامية”، ومنع تركيا متزعميها من دخول أراضيها من المعبر نفسه لأسباب تقول عنها أمنية، وبالمقابل قلصت مرتزقة “الجبهة الشامية” حركة المرور عبر المعبر؛ ما أثر على تحركات فصائل أخرى من المرتزقة التابعة لأنقرة عبر هذا المعبر.
علاوة على ذلك، لإنهاء الانقسام الحاصل بين المجموعات، عبر وضعهم تحت سطوة فصيل واحد، وما جرى من مدة ليست بالقصيرة في ريف حلب، وتحرك مرتزقة جبهة النصرة لمناطق نفوذ المجموعات الموالية لتركيا يؤكد أن “جبهة النصرة” بات لديها سطوة على غالبية مجموعات ما تسمى بـ “الجيش الوطني” الإرهابي المدعوم من تركيا، وهو ما يؤكد تعويل تركيا على هذا التنظيم أكثر من باقي المجموعات التابعة لها.
وبناءً على هذه المعطيات التي تؤكد أن السيطرة في تلك المناطق، مقسّمة بين مجموعات ما تدعي الجهادية والمسلحين، تفصل بينهم الاختلافات الأيديولوجية والقومية، يحظون بدعم تركيا لكن الخلافات والمناوشات المتكررة بين مجموعات المعارضة المدعومة من تركيا، هو الفارق بينها، وبين “النصرة” المنظمة عسكرياً وأيديولوجياً، وكان الدافع الرئيسي لتركيا لبناء علاقات أوثق معها، والنظر إليها كجماعة قوية ومنظمة لها تأثير على الأرض، لأنها بحاجة إلى فصيل قادر على ضبط المنطقة، وأن تكون ذراعها لتأديب المجموعات المتمردة بإيعاز منها.
عفرين تحت وطأة انتهاكاتٍ ممنهجة
وفي خضم هذه الحالة الخانقة المفروضة في المناطق المحتلة تبرز جملة من الانتهاكات المرتكبة بحق السكان الأصليين الذين باتوا وقوداً لتحقيق أطماع الاحتلال التركي، الذي دمر مقومات الحياة البشرية في هذه المناطق، ويطبق بحق من تبقى متشبثاً بأرضه أعتى أنواع الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية.
شيخو بين أن “هذه الانتهاكات تأتي في إطار الابتزاز المادي أو التهجير القسري لذلك، نرى أن هناك فرض أتاوات باهظة وذلك بعد احتجاز أحد أفراد العائلة، وفرض مقابل مادي كي يتم إطلاق سراح هذا المعتقل والتهمة جاهزة تماماً هي التعامل مع الإدارة الذاتية أو قوات سوريا الديمقراطية”
وفي ذلك وصف شيخو: إن الاحتلال والمرتزقة التابعة له عمدا إلى “قطع الأشجار وتجريف الأراضي الحراجية وصلت لقطع أكثر من 21 مليون شجرة مزروعة على 39 ألف هكتار فهذه الانتهاكات جرت بهدف بناء المستوطنات، التي وصل تعدادها لأكثر من 45 مستوطنة، ولا زالت في توسع مستمر بهدف تهجير من تبقى متشبث بأرضه”.
مؤكداً، أن “سلطات الاحتلال منعت الأهالي من جني محاصيلهم لكن المستوطنين والمجموعات المرتزقة، بدؤوا بنهب المحاصيل والمواسم وكانت ما تسمى بالقوى المشتركة الحمزات والعمشات اجتمعوا بأهالي القرى الخاضعة لسيطرتهم بعد أن تم طرد مجموعة صقور الشمال قبل فترة ليفرضوا أتاوات بلغت قيمتها بثمانية دولارات لكل شجرة مزروعة في المناطق الجبلية، و30 دولاراً للأشجار المزروعة في المناطق السهلية”.
من الناحية القانونية وصف شيخو هذه الانتهاكات الممنهجة على أنها، “تأتي في سياق الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وفق نظام روما لعام 1998 وما يحمله من مواد 6 -7 – 8 ووفق هذه الانتهاكات وصلت حالات الاختطاف والاعتقال إلى9000 حالة منذ بداية الاحتلال عام 2018 وحتى الأن أكثر من 1000 حالة هي لنساء ومئات الأطفال أطلق سراح الكثير منهم مقابل ألاف الدولارات”.
فمجمل هذه الانتهاكات والاعتداءات تتم بمباركة الاحتلال التركي، الذي يعد هذه الممارسة غنيمة حرب روتينية تقود للقضاء على الموارد المالية لسكان المنطقة تحت مرأى، ومسمع العالم أجمع دون إنصاف بحق الضحايا خصوصا الشعب في عفرين الذي يتعرض للابتزاز المسلح والقمع تحت وصاية تركيا لتبقى المناطق المحتلة تحت نير الظلم والبطش إلى يومنا الحاضر دون أي حلولٍ تلوح بالأفق.